يواجه العالم تحديا هائلا لإطعام سكانه الذين يتوقع أن يصل عددهم إلى 9.7 مليار نسمة بحلول سنة 2050، حيث تتطلب هذه الزيادة السكانية مضاعفة الإنتاج الغذائي بنسبة تصل إلى 70% خلال العقود الثلاثة المقبلة. وفي المقابل، يتسبب التوسع الحضري السريع وآثار التغير المناخي في تقليص الأراضي الزراعية وتدهور جودتها، مما يضع الزراعة التقليدية أمام تحديات كبيرة.
وتدفع هذه الظروف إلى تبني حلول مبتكرة مثل الزراعة بدون تربة، التي تعتمد على نقل الزراعة من الهواء الطلق إلى بيئات داخلية، بحيث توفر هذه الأنظمة التي تشمل الزراعة المائية والزراعة الهوائية، إمكانية زراعة المحاصيل باستخدام الماء أو الهواء بدلا من التربة، مما يتيح إدارة أفضل للموارد وتقليل الأثر البيئي.
تاريخ طويل وأفق جديد للزراعة المائية
بدأت فكرة الزراعة المائية في أوائل القرن العشرين، لكنها اكتسبت زخما كبيرا مؤخرا مع تطوير تقنيات متقدمة مثل وسائط النمو المستدامة. و توفر هذه الوسائط، مثل الصوف المعدني المنتج من مواد معاد تدويرها، دعما ماديا للنباتات، وتعمل على تحسين إدارة المياه والمغذيات بشكل كبير.
و في هذا الصدد، أكدت الدكتورة مونيكا نافاريتو، المسؤولة عن برنامج البحث والتطوير في شركة أوينز كورنينج فيدا وول، أن الصوف المعدني يتميز بمسامية عالية، مما يسهم في توزيع المياه والمغذيات بشكل متساوٍ.
و أضافت الخبيرة، أن استخدام مواد مثل “الخبث”، وهي نفايات حجرية يتم تدويرها بدلا من التخلص منها، يشكل خطوة نحو تقليل الأثر البيئي لهذه الوسائط.
فرص الزراعة الداخلية وإدارة المياه
تتيح الزراعة الداخلية فرصا لإنتاج غذاء مستدام وآمن في مساحات محدودة باستخدام كميات أقل من المياه، و تشير الدراسات إلى أن أنظمة الزراعة المائية تستهلك 10% فقط من المياه المستخدمة في الزراعة التقليدية، حيث تجمع المياه ويعاد استخدامها بدلا من ضياعها بالتبخر أو الصرف.
من جهة أخرى، تلعب هذه الأنظمة دورا كبيرا في تخفيض استخدام المبيدات والأسمدة، مما يحد من التلوث البيئي، فيما تساهم الزراعة الداخلية في تحسين سلاسل التوريد الغذائية المحلية، مما يعزز الأمن الغذائي في مواجهة التقلبات المناخية.
تحديات وحلول مستقبلية
تتعدد فوائد الزراعة بدون تربة، لكنها تواجه عقبات تتعلق بتكاليف التشغيل، واستهلاك الطاقة، والتخلص من وسائط النمو، و في هدا السياق، أوضحت نافاريتو أن مصابيح LED المستخدمة في هذه الأنظمة أصبحت أكثر كفاءة وأقل تكلفة مع مرور الوقت، لكنها لا تزال تمثل عبئا بيئيا واقتصاديا.
و مع استمرار تقدم التقنيات، يتوقع أن تبلغ قيمة قطاع الزراعة الداخلية عالميا أكثر من 32 مليار دولار بحلول سنة 2028، مقارنة بـ20 مليار دولار حاليا، ومع تزايد الطلب على الغذاء الطازج وضغوط توفير إنتاج مستدام، تمثل الزراعة بدون تربة حلا واعدا لسد الفجوة الغذائية.
نحو مستقبل زراعي مستدام
يقدم الابتكار في الزراعة بدون تربة فرصة لتجاوز قيود الأراضي والمناخ، وتحقيق إنتاج غذائي متوازن على المستوى البيئي والاقتصادي، ومع استمرار الاستثمار في هذا القطاع، ستلعب الزراعة الداخلية دورا محوريا في مستقبل الأمن الغذائي العالمي.



















