شهد يوم أمس من مؤتمر الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة في أبوظبي ذروة الجدل العلمي والسياسي حول حدود تدخل الإنسان في الطبيعة، حيث تحولت جلستان متتاليتان من اجتماعات الجمعية العمومية إلى ساحة نقاش مفتوح بين أنصار الابتكار التكنولوجي وأنصار التحفظ البيئي. وتمحورت النقاشات حول مقترحين متعارضين: المقترح رقم 87 الذي يدعو إلى تقنين استخدام التكنولوجيا الوراثية في جهود الحفظ، والمقترح رقم 133 الذي يطالب بوقف شامل لكل أشكال التدخل الجيني إلى حين استكمال الدراسات الأخلاقية والعلمية.
انتقل المؤتمر من العروض العامة إلى مرحلة التصويت على المقترحات التي لم تحسم بعد، ثم تحول النقاش إلى القضايا المرتبطة بالهندسة الوراثية والتقنيات الحيوية في حفظ الأنواع، وهي موضوعات أثارت انقساما واضحا بين الوفود.
قدم أنصار المقترح 87 طرحا يقوم على مبدأ التقييم الموقعي أو “الحالة بحالتها”، معتبرين أن الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة، مثل التعديل الوراثي أو الاستنساخ البيئي، يمكن أن يقدم حلولا واقعية لمعضلات بيئية معقدة كاستعادة الأنواع المنقرضة أو مقاومة الآفات التي تفتك بالنظم الإيكولوجية. ويدعو هذا المقترح إلى وضع ضوابط دقيقة، لا إلى الحظر التام، لتفادي تعطيل إمكانات الابتكار العلمي.
في المقابل، يرى مؤيدو المقترح 133 أن هذه المقاربة تنطوي على مخاطر غير قابلة للسيطرة، لأن إدخال كائنات معدلة وراثيا في بيئات طبيعية قد يخلق توازنات جديدة غير معروفة، وربما يتسبب في انقراض أنواع أخرى أو اضطراب السلاسل الغذائية. ويؤكد أصحاب هذا المقترح على الحاجة إلى وقف مؤقت وشامل لكل مشاريع الهندسة الوراثية في الطبيعة، إلى أن تتوافر ضمانات علمية وأخلاقية كافية تقي من “النتائج غير القابلة للعكس”.
وقد استغرق المقترحان نقاشا مطولا بين خبراء في الأحياء والبيئة والقانون الدولي، عبر خلاله بعض المندوبين عن خشيتهم من أن يتحول الحذر إلى عائق أمام التقدم العلمي، فيما اعتبر آخرون أن التجريب في الطبيعة بلا قيود يعتبر مقامرة بمستقبل الكوكب. وفي خضم النقاش، أشار ممثلو عدد من المنظمات العلمية إلى أن التكنولوجيا ليست هدفا في ذاتها، بل أداة ينبغي ضبطها ضمن منظومة أخلاقية دقيقة تراعي هشاشة النظم البيئية.
ثم انصرف المؤتمرون إلى جولة أخيرة من المداولات والتصويتات الجزئية، في انتظار النتائج النهائية التي ستعلن يوم الخامس عشر من أكتوبر، خلال الجلسة الختامية. غير أن الصراع حول المقترحين 87 و133 ترك أثره العميق على أجواء المؤتمر، إذ كشف عن عمق الهوة بين تيارين: تيار يؤمن بأن حماية الطبيعة تمر عبر التجديد العلمي الموجه، وتيار يرى أن صون الحياة يتطلب أولا احترام حدودها الطبيعية وعدم المجازفة بتغييرها جذريا.




















عذراً التعليقات مغلقة