تعتبر الأنهار المغربية من الموارد الحيوية التي تشكل أساس الأمن المائي والغذائي، إذ تزود البلاد بالمياه الصالحة للشرب، وتغذي الفلاحة، وتساهم في إنتاج الطاقة الكهرومائية. ومن أبرزها سبو وأم الربيع وملوية، التي تغطي مجاريها أحواضا كبرى تمثل شرايين رئيسية للاقتصاد الوطني. غير أن الأبحاث الحديثة تكشف عن ضغوط متزايدة تهدد هذه الموارد في سياق يتسم بندرة الأمطار والتغيرات المناخية والتوسع العمراني.
تلوث الأنهار وجودة المياه
تشير الدراسات إلى أن التلوث بالمعادن الثقيلة في بعض الأنهار بلغ مستويات مثيرة للقلق، حيث صنفت نسبة كبيرة من العينات ضمن خانة الجودة الضعيفة مقارنة بالمعايير الوطنية. كما أن الرواسب في بعض الأحواض أظهرت تراكمات عالية من المعادن السامة، بما يعكس مخاطر بيئية وصحية طويلة الأمد.
أثر التغير المناخي والجفاف
تؤكد أبحاث أخرى أن الأحواض النهرية المغربية، خصوصا في الجنوب، تعاني من ملوحة متزايدة نتيجة شح المياه وتواتر سنوات الجفاف، وهو ما يهدد الأنشطة الفلاحية ويسرع من تدهور الأراضي. كما تكشف مراجعات علمية أن ندرة المياه تتفاقم بفعل الضغط البشري وضعف أدوات التدبير على مستوى الأحواض.
التحولات الساحلية عند المصبات
تبرز التحليلات الحديثة للتغيرات الساحلية أن مصبات بعض الأنهار الكبرى، مثل سوس وماسة، عرفت تراجعا ملحوظا خلال العقود الأخيرة بسبب التآكل والتوسع العمراني، مما يعكس هشاشة النظم البيئية الساحلية أمام تدخلات الإنسان والتغير المناخي.
السياسات والتدبير المؤسسي
تشير تقارير دولية إلى أن المغرب يواجه تحديا مركبا يتمثل في تراجع الأمطار وارتفاع الطلب على الماء. ويستند الإطار القانوني الوطني إلى قانون الماء لسنة 1995 الذي يهدف إلى ترشيد الاستغلال وضمان توزيع عادل للموارد. كما تنبه تقارير متخصصة إلى الحاجة لتعزيز الشفافية والحكامة في هذا القطاع لتفادي الهدر وسوء التدبير.
يتضح أن الأنهار المغربية لم تعد مجرد موارد طبيعية، بل تحولت إلى مجال تتقاطع فيه رهانات التنمية والحماية البيئية. فبينما تسعى الدولة إلى تعبئة الموارد عبر بناء السدود ومشاريع التطهير، تظل التحديات الكبرى قائمة في شكل تلوث المجاري، الجفاف المتكرر، الملوحة المتزايدة، وضعف الحوكمة. وضمان مستقبل هذه الأنهار يستلزم رؤية متكاملة توازن بين الاستغلال الاقتصادي والحفاظ على البيئة، لخلق انسجام مع أهداف التنمية المستدامة وحفاظا حقوق الأجيال القادمة في الماء.
عذراً التعليقات مغلقة