تتفاقم أزمة النفايات الإلكترونية عالميا بفعل الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ما يضيف أعباء بيئية وصحية واقتصادية كبيرة. تتكون هذه النفايات من الأجهزة الكهربائية المهملة مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة، والهواتف الذكية، وأجهزة التلفزيون، والخوادم، والغسالات، والمعدات الطبية، وأجهزة الألعاب.
وكشف بحث نُشر في مجلة Nature أن كمية النفايات الإلكترونية المنتجة خلال العقد الحالي قد تصل إلى 5 ملايين طن متري، أي ما يعادل زيادة مقدارها ألف ضعف مقارنة بسنة 2023. حيث وصلت النفايات الإلكترونية سنة 2022 إلى مستوى قياسي بلغ 62 مليون طن، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 82% منذ 2010، وتشكل 70% من إجمالي النفايات العالمية. ورغم هذه الأرقام الصادمة، فإن أقل من 20% من هذه النفايات يُعاد تدويره رسميا.
وتساهم أنظمة الذكاء الاصطناعي، التي تتطلب كميات هائلة من الحوسبة والتخزين، في تسريع إنتاج النفايات الإلكترونية. ويتطلب تشغيل هذه الأنظمة معدل دوران مرتفع للخوادم في مراكز البيانات، حيث يقدر عمر هذه الخوادم بثلاث سنوات فقط. ووفقا لتقرير حديث، قد يرتفع استهلاك الطاقة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة من 4% حاليا إلى 12% من إجمالي الطلب على الطاقة بحلول سنة 2030.
و تشكل النفايات الإلكترونية تحديا بيئيا وصحيا كبيرا، إذ تحتوي على مواد سامة مثل الزئبق والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات، التي تؤدي إلى تلوث التربة والمياه. في بعض المناطق، يتم حرق هذه النفايات لاستخراج المعادن الثمينة، مما يؤدي إلى تلوث الهواء وإطلاق مواد خطرة. كما أن إعادة التدوير الرسمي للنفايات يواجه تحديات بسبب احتوائها على مكونات ضارة.
بالإضافة إلى ذلك، ترتبط النفايات الإلكترونية بانخفاض الوزن عند الولادة، ومشاكل الإنجاب، وزيادة مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة. والأطفال هم الفئة الأكثر تأثرا بهذه المواد السامة، حيث تؤثر على نموهم وتطورهم بشكل سلبي.
و ترتب النفايات الإلكترونية تكاليف اقتصادية ضخمة، بدءا من ارتفاع تكاليف تنظيفها، وصولا إلى خسارة موارد قيمة مثل الذهب والبلاتين والمواد النادرة الأخرى التي تدخل في صناعة الأجهزة الإلكترونية.
واستخدمت دراسة Nature تحليل تدفق المواد للتنبؤ بنمو النفايات الإلكترونية، ووضعت أربعة سيناريوهات للنمو المستقبلي: “محدود”، و”محافظ”، و”معتدل”، و”عدواني”. وأظهرت الدراسة أن الكمية التراكمية للنفايات قد تصل إلى ما بين 1.2 و5 ملايين طن متري بين عامي 2020 و2030، بناء على معدل الاستهلاك وتجديد الأجهزة.
و أشارت الدراسة إلى أنه يمكن تخفيف حدة أزمة النفايات الإلكترونية عبر عدة استراتيجيات:
1. إطالة عمر الأجهزة: من خلال تحسين تصميمها واستخدام مكونات قابلة للتحلل الحيوي.
2. إعادة الاستخدام والتدوير: إعادة استخدام المكونات وتحسين تقنيات إعادة التدوير، مع تعزيز الاقتصاد الدائري.
3. تحسين كفاءة الذكاء الاصطناعي: باستخدام خوارزميات تقلل استهلاك الطاقة والمعدات.
4. التصميم الأخضر: عبر استبدال المواد السامة بأخرى آمنة بيئيا، وتصنيع أجهزة أكثر كفاءة وطويلة الأمد.
5. رفع الوعي: بتشجيع ثقافة إعادة الاستخدام، والتبرع بالأجهزة القديمة، والاعتماد على مراكز تدوير النفايات الإلكترونية.
6. سياسات عمومية: وضع معايير لجمع النفايات وإعادة تدويرها بشكل آمن، والاستثمار في تقنيات مبتكرة لإدارة النفايات.
وتؤكد الدراسة أن اعتماد هذه الحلول يمكن أن يقلل كمية النفايات الإلكترونية بنسبة تتراوح بين 16% و86%. ويمثل التحول إلى نهج مستدام ضرورة ملحة لضمان التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة والصحة العامة.
وأكدت الدراسة على أن النفايات الإلكترونية جزء لا مفر منه في عصر التكنولوجيا، إلا أن الإدارة الذكية لها يمكن أن تخفف من أضرارها، حيث تحتاج الحكومات والشركات والأفراد إلى العمل معا للحد من تفاقم هذه الأزمة، بما يضمن حماية البيئة والحفاظ على الموارد وتعزيز صحة الإنسان.