في وقت لم يكن فيه الحديث عن الاستدامة والابتكار البيئي قد بلغ هذا الزخم، ظهرت بمدينة فاس سنة 2012 تجربة فريدة تمثلت في إطلاق قطار كهربائي صغير، شكل آنذاك سابقة من نوعها في المغرب. هذا المشروع لم يكن مجرد وسيلة نقل، بل تجسيد عملي لفكرة كيف يمكن لمبادرة صغيرة أن تمزج بين الحفاظ على البيئة وخدمة المجتمع.
توقف القطار عن الخدمة بسبب جائحة كوفيد 19، لكنه اليوم يجوب شوارع فاس بحلته الجديدة التي تمثل رونق فاس الجميل.
يشتغل القطار بطاقة كهربائية بنسبة 100%، ويتميز بكونه يعمل بجهد 72 فولت، في سابقة تقنية جعلته يتفوق على نماذج مماثلة حول العالم التي لا تتجاوز عادة 48 فولت.كما تصل طاقته الاستيعابية إلى ثلاثين راكبا، ما يجعله خيارا مثاليا للجولات السياحية الجماعية، خصوصا التربوية منها.
لا تعتبر رحلات هذا القطار ترفيهية فقط، بل تحمل طابعا تعليميا واضحا، حيث يتعرف التلاميذ على معالم المدينة العتيقة، من بوجلود إلى الملاح…ومن الصناعات التقليدية إلى المتاحف والحدائق التاريخية. تمنح هذه التجربة الفريدة للأطفال فرصة لرؤية تراثهم الوطني بعين جديدة، وتكسبهم رصيدا معرفيا يصعب أن توفره الفصول الدراسية وحدها.
هذا المشروع، الذي انطلق منذ أكثر من 12 سنة، يؤكد أن الابتكار المحلي قادر على تقديم حلول حقيقية، مستدامة وملهمة. وهو تذكير قوي بأن المستقبل لا ينتظر، بل يبنى بالأفكار الصغيرة حين تقودها الإرادة والرؤية. ربما حان وقت إعادة اكتشاف ما بدأناه منذ زمن، ومواصلة الطريق نحو مغرب أكثر وعيا، بيئيا وثقافيا.