الصحافة الحرة.. درع حماية البيئة في وجه المصالح الاقتصادية 

ECO174 مايو 2025
الصحافة الحرة.. درع حماية البيئة في وجه المصالح الاقتصادية 

 

تماشيا مع الاحتفاء باليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يصادف الثالث من ماي من كل سنة، والذي يحتفل به هذه السنة تحت شعار:” حرية التعبير كدعامة لجميع حقوق الإنسان”، نستحضر واحدة من أقوى النماذج العالمية التي تجسد دور الصحافة في فضح الانتهاكات البيئية، والدفاع عن الحق في بيئة سليمة ومعلومة موثوقة.

ففي نهاية التسعينيات، لم يكن أحد يتصور أن مادة شفافة تستخدم في طلاء أواني المطبخ (التيفلون) قد تخفي خلفها واحدة من أضخم الفضائح البيئية في تاريخ الولايات المتحدة.

القصة بدأت في ولاية ويست فيرجينيا، حيث لاحظ مربو ماشية نفوق عشرات الأبقار بطريقة غامضة، ليتبين لاحقا أن السبب يعود إلى تلوث مياه النهر المحلي بمادة كيميائية تدعى C8، وهي مركب اصطناعي مقاوم للحرارة والماء كانت تستخدمه شركة DuPont العملاقة في صناعاتها منذ عقود.

لكن المفاجأة لم تكن فقط في المادة أو مصدرها، بل في حجم التستر. فقد كشفت تحقيقات قانونية، مدعومة بعمل صحفي استقصائي دؤوب، أن الشركة كانت على علم بمخاطر المادة منذ السبعينيات، دون أن تتخذ أي إجراءات لحماية السكان أو تحذير السلطات.

وخلال سنة 2016، نشرت صحيفة The New York Times تحقيقا شاملا بعنوان “المحامي الذي أصبح كابوس دوبونتDuPont”، سلط الضوء على جهود المحامي روبرت بيلوت، الذي قاد معركة قانونية شرسة استمرت لأكثر من 15 سنة، مدعومة بوثائق داخلية سرية. وقد ساهم هذا التحقيق في تنبيه الرأي العام، وتحفيز وسائل إعلام عالمية لفتح ملف الملوثات الصناعية مجددا.

النتائج لم تكن فقط إعلامية؛ فقد واجهت شركة DuPont دعاوى قضائية بمئات الملايين من الدولارات، وتم سن تشريعات تقيد استعمال المادة C8. كما تحولت القضية إلى فيلم سينمائي شهير بعنوان Dark Waters سنة 2019، ووثائقي Netflix The Devil We Know، مما وسع نطاق الوعي حول المخاطر البيئية المغطاة بالسكوت المؤسسي.

تعد هذه القضية نموذجا عالميا يجسد العلاقة الوثيقة بين حرية الصحافة، وحق المواطن في المعلومة، والعدالة البيئية. ففي عالم تعلو فيه أصوات المصالح الاقتصادية، تبقى الصحافة الحرة هي الملاذ الأخير للطبيعة ولحقوق الأجيال القادمة.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept