مشاريع تصدير الغاز الطبيعي في كولومبيا البريطانية: جدل بين الهوية الاقتصادية والاستدامة البيئية

ECO1717 ديسمبر 2024
مشاريع تصدير الغاز الطبيعي في كولومبيا البريطانية: جدل بين الهوية الاقتصادية والاستدامة البيئية

تشهد كولومبيا البريطانية على الساحل الغربي لكندا جدلا متجددا أثارته مشاريع تصدير الغاز الطبيعي العملاقة التي يتم إنشاؤها حاليا. هذه المشاريع، التي تهدف إلى تحويل كندا إلى أحد أكبر مصدري الغاز الطبيعي في العالم، تحمل وعودا بمكاسب اقتصادية هائلة، لكنها في الوقت نفسه تعيد فتح جراح تاريخية تتعلق بالسكان الأصليين واستغلال أراضيهم، إضافة إلى مخاوف بيئية تتعلق بالتغير المناخي والتزامات كندا البيئية.

وعلى رأس هذه المشاريع، يبرز مشروع تصدير الغاز الطبيعي الضخم بقيمة 31 مليار دولار، الذي يشيد بالقرب من قرية كيتامات الساحلية. المشروع، الذي تديره شركة “شل” بالشراكة مع مستثمرين آخرين، يتسم بأهمية خاصة، حيث يمثل خطوة تاريخية للسكان الأصليين، إذ من المقرر أن يتم افتتاح أول محطة تصدير للغاز الطبيعي مملوكة بالكامل لشعب الهيسلا، ليصبحوا بذلك روادا عالميين في هذا المجال.

و يمثل هذا التوسع في صناعة الغاز الطبيعي فرصة غير مسبوقة للمجتمعات الأصلية في كندا، خاصة تلك النائية التي عانت لعقود من التهميش الاقتصادي، من خلال عوائد هذه المشاريع، يأمل السكان الأصليون في تحسين البنية التحتية لمجتمعاتهم، توفير فرص عمل، وتعزيز الاستقلال المالي.

وتفرض هذه المشاريع تحديات بيئية كبيرة، إذ يعد الغاز الطبيعي، رغم كونه أقل تلوثا من الفحم، مصدرا رئيسيا لانبعاثات الكربون التي تسهم في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، ويثير إعلان كندا التزامها بالحد من استخدام الوقود الأحفوري تساؤلات حول مدى توافق هذه المشاريع مع أهداف البلاد البيئية.

و بينما يترقب السكان الأصليون مكاسب هذه المشاريع، لا يمكنهم تجاهل التاريخ الطويل من الاستغلال الذي تعرضت له أراضيهم ومواردهم الطبيعية، إذ أن المنطقة، و منذ القرن التاسع عشر، كانت هدفا لاستغلال أوروبي مكثف شمل تجارة الفراء، وصيد الأسماك، وقطع الأشجار، واستخراج المعادن. وفي المقابل، واجه السكان الأصليون الأمراض، الفقر، والسياسات القسرية التي هدفت إلى محو ثقافتهم.

و تثير عودة الاستثمارات الكبرى إلى هذه الأراضي اليوم جدلا داخليا بين السكان الأصليين، حيث أن البعض يرى فيها فرصة لاستعادة جزء من السيادة الاقتصادية وتحقيق العدالة التاريخية، بينما يحذر آخرون من أن هذه المشاريع قد تؤدي إلى أضرار بيئية لا يمكن إصلاحها، خاصة في المناطق الساحلية ذات التنوع البيولوجي الفريد.

و لا يقتصر الجدل حول هذه المشاريع على السكان الأصليين، بل يشمل المجتمع الكندي بأسره، حيث يجادل المؤيدون بأن صادرات الغاز الطبيعي ستساعد كندا على تأمين موقع استراتيجي في السوق العالمية للطاقة، خاصة مع زيادة الطلب في آسيا. وتشير التوقعات إلى أن هذه المشاريع ستلبي احتياجات اقتصادات ناشئة في آسيا مثل الصين والهند، لأن الطلب على الطاقة يتزايد بوتيرة سريعة.

و من جهة أخرى، يحذر المعارضون من أن هذه المشاريع قد تعيق جهود كندا لتحقيق أهدافها المناخية، و يذكر أن كندا تعهدت بتخفيض انبعاثات الكربون بشكل كبير بموجب اتفاقية باريس للمناخ، وتواجه بالفعل ضغوطا دولية للوفاء بتعهداتها البيئية.

ومع اقتراب افتتاح أول محطة تصدير مملوكة للسكان الأصليين في العالم، يبقى السؤال الأكبر: هل ستنجح هذه المشاريع في تحقيق التوازن بين تعزيز التنمية الاقتصادية للسكان الأصليين وحماية البيئة؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق