تعلن منظمة الصحة العالمية والاتحاد الدولي للمولدات (أو القابلات)، في الخامس من ماي من كل سنة، عن الاحتفال باليوم العالمي للقابلات، والذي يحمل هذ السنة شعار القابلات: قلب الرعاية الأمومية.
تعرف هذه المهنة النبيلة في المغرب باسم القابلة، وتلعب دورا محوريا في الحد من وفيات الأمهات والمواليد، خاصة في المناطق القروية حيث تصل الخدمات الصحية الأساسية إليها بنسبة 43% فقط مقارنة بالمناطق الحضرية .
الواقع الصعب: إحصائيات تكشف تحديات المهنة
تشير أرقام وزارة الصحة والحماية الاجتماعية إلى أن القابلات يتدخلن في أكثر من 70% من الولادات بالمستشفيات العمومية، بينما لا تزال 15% من الولادات في المناطق النائية تتم بمساعدة القابلات التقليديات غير المؤهلات. وتعاني المهنة من نقص حاد في الأطر، حيث تبلغ نسبة القابلات، بالنظر لعدد الولادات، 4 قابلات لكل ألف ولادة، بينما المعدل العالمي الموصى به هو 6 قابلات لكل ألف ولادة .
من التراث إلى الحداثة: تحولات مهنية عميقة
ورثت الأجيال القديمة مهنة “القابلة” تقليديا، كما في حالة المولدة يامنة، ذات الواحدة والستين سنة من نواحي مدينة برشيد، والتي مارست المهنة، طيلة 30 سنة، بعد أن تعلمتها على يد أمها. أما اليوم، فقد أقر القانون 44.13 ممارسة المهنة بشكل عصري، مما مكن عدة قابلات من فتح عيادات متخصصة تدمج بين التقنيات الحديثة كالولادة المائية والتقاليد المغربية.
دور القابلات في مواجهة انتشار العمليات القيصرية
تؤكد معطيات صندوق الأمم المتحدة للسكان أن الولادات تحت إشراف قابلات مدربات تقلل العمليات القيصرية غير الضرورية بنسبة 25%. وفي المغرب، هناك مبادرات، تتخد شكل عيادات خاصة، في تعزيز هذا الاتجاه عبر تقديم رعاية شخصية تخفف آلام المخاض دون تدخل جراحي . وتشير الإحصائيات إلى أن معدل العمليات القيصرية في المغرب بلغ 20% من إجمالي الولادات، بينما تنصح منظمة الصحة العالمية بعدم تجاوز 10 إلى15%.
تحديات قانونية ومهنية: بطالة وغياب الحماية
يكشف واقع المهنة عن مفارقة صارخة، حيث يعاني القطاع من بطالة 2000 قابلة متخرجة رغم الحاجة الماسة لخدماتهن. كما أن غياب إطار قانوني واضح للقابلات التقليديات يعرضهن للمساءلة القضائية في حال حدوث مضاعفات.
مستقبل المهنة: بين الجهود الحكومية والمبادرات الفردية
أطلقت وزارة الصحة برامج لتأهيل 500 قابلة سنويا، في إطار التعاون مع الأمم المتحدة. وفي المقابل، نجحت مبادرات فردية مثل “دار الولادة التيسير” في مدينة تمارة، في تطوير نموذج يعتمد على القانون 44.13، مما يسمح للقابلات بالممارسة الحرة. وتشير التقديرات إلى أن تعميم هذه النماذج قد يخفض وفيات الأمهات من 100 حالة لكل 100.000 ولادة إلى المستوى العالمي البالغ 70 حالة.
القابلات المغربيات.. حارسات الحياة في الظل
إن احتفاء منظمة الصحة العالمية بدور القابلات كـقلب الرعاية الأمومية، هو وصف يعكس واقع المولدات المغربيات اللواتي ينقذن آلاف الأرواح سنويا. فرغم التحديات، تثبت المهنة مرونتها عبر التاريخ، من القابلة التي تحمل حقيبتها البسيطة إلى القابلة المحترفة في عيادات مجهزة. يقول المثل المغربي: “اللي تولدك ما تنساها”، وهذه الذاكرة المجتمعية هي الضامن الأكبر لاستمرار هذه المهنة الإنسانية.