يهدد انهيار أسعار الكربون بتقويض تمويل مشاريع الطاقة المتجددة واستعادة الطبيعة، مما يضع مستقبل الكوكب في ميزان خطير. وتطفو هذه التحديات وسط تقلبات الأسواق العالمية، التي قد تلحق الضرر بالدول النامية أكثر من غيرها، وهي التي تحتاج بشدة إلى دعم مشاريع التنمية المستدامة.
واتفق قادة العالم أخيرا خلال مؤتمر المناخ COP29 بأذربيجان على قواعد سوق ائتمان الكربون العالمية، لتصبح الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري سلعة تباع وتشترى. وأمام الطموحات العالية لهذه السوق، يحذر الخبراء من أن المضاربة والاحتيال قد يؤديان إلى نتائج عكسية.
وأبرز إمري تاريم، محاضر في جامعة لانكستر، أن نظام الاتحاد الأوروبي لتجارة الانبعاثات، وهو الأكبر عالميا، يعاني من مضاربات واسعة النطاق وانتهاكات تنظيمية، متوقعا أن يواجه سوق ائتمان الكربون الأممي تحديات مشابهة، نظرا لتشابه الأسس التي بنيت عليها هذه الأسواق، والمستمدة من بروتوكول كيوتو 1997 واتفاق باريس 2021.
ويقوم نظام تجارة الكربون على وضع سقف للانبعاثات، يسمح بتداول الاعتمادات بين الدول والمؤسسات وفق احتياجاتها. ويسعى هذا النظام إلى تشجيع الابتكار وتحفيز التحول نحو مصادر طاقة أكثر كفاءة. ومع ذلك، تساهم مشاركة المضاربين الماليين في السوق في خلق تقلبات حادة بالأسعار.
وتظهر التقديرات أن أغلب نشاط تداول الكربون في نظام الاتحاد الأوروبي يتم بواسطة صناديق التحوط والبنوك الاستثمارية، مما يؤدي إلى تقلبات شديدة. و يصف البعض هذه السوق بأنها “ملعب للتقلبات الرائعة”، حيث يشترون أرصدة الكربون لتوقع تغييرات مستقبلية في الأسعار، ما يهدد استقرار السوق.
وتحذر الدراسات من أن انهيار أسعار الكربون قد يعوق تمويل مشاريع حماية الغابات والطاقة المتجددة في الدول النامية، التي تعتمد على عائدات بيع أرصدة الكربون لتمويل هذه المشاريع.
وأشار تاريم أن المشاركين غير الشرفاء يستغلون الثغرات التنظيمية لتوليد أرباح غير مشروعة، كما حدث مع بعض الصناعات التي تعمدت إطلاق الغازات الدفيئة للاستفادة من بيع الاعتمادات.
وأظهرت تجربة الاتحاد الأوروبي أهمية السياسات الخضراء مثل دعم الطاقة المتجددة والضرائب البيئية. وأمام مساهمة نظام تجارة الانبعاثات بأقل من 2% من تخفيضات الانبعاثات السنوية في الاتحاد الأوروبي وفق دراسة أجريت عام 2021، فإن السياسات البيئية الشاملة كانت أكثر فعالية.
ويشدد تاريم على ضرورة مراقبة تطور سوق ائتمان الكربون العالمي لتفادي الفوضى التي قد تعطل التحول الأخضر. مؤكدا على أنه كلما ازداد تشابه السوق العالمية مع الأسواق المالية التقليدية، ازدادت مخاطر المضاربة، مما يجعل الأهداف المناخية أبعد منالا.
ويظل التحدي الأكبر هو ضمان الشفافية والتنظيم الصارم، لضمان أن تكون هذه السوق أداة فعالة لتحقيق التحول الأخضر العالمي بدلا من أن تصبح رهينة للمضاربة والاحتيال.