تواجه المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الحكومية التي تمول مشاريع حماية البيئة تحديات جدية عندما ترتبط أنشطتها بانتهاكات حقوق الإنسان، حيث يتم، في بعض الحالات، استخدام التمويل لدعم حراس مسلحين، يقومون بإجراءات قمعية تشمل إصابة أو حتى قتل السكان المحليين؛ وفي حالات أخرى، تستخدم هذه الأموال لدعم برامج تنزع الأراضي التقليدية من الشعوب الأصلية، بحجة توسيع المناطق المحمية؛ كل هذه التحديات تضع المنظمات الممولة أمام خيارات صعبة حول كيفية الموازنة بين أهدافها البيئية واحترام حقوق الإنسان.
تجد المنظمات غير الحكومية والممولون أنفسهم أمام قرارات معقدة، عند ظهور تقارير عن انتهاكات أو شبهات بتورط مشاريع ممولة في مثل هذه الأعمال. وهنا تطرح مجموعة من الأسئلة:هل يجب عليهم سحب التمويل بالكامل أو تعليقه مؤقتا؟ هل يمكنهم الإبقاء على الاستمرار تمويل المشاريع التي تبدو غير مرتبطة بالانتهاكات بشكل مباشر؟ وكيف يمكن إعادة هيكلة المشاريع لتجنب الوقوع في هذه المعضلة؟ كل هذه الأسئلة تزداد تعقيدا حين تكون الانتهاكات قيد التحقيق ولم يتم تأكيدها بعد، مما يضيف أبعادا قانونية وأخلاقية يجب أخذها في الاعتبار.
وفي هذا الصدد، يوضح جون نوكس John Knox، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان والبيئة، أن سبب العديد من هذه التحديات هو الغموض في مسؤوليات المنظمات غير الحكومية والممولين اتجاه حماية حقوق الإنسان في مشاريع الحفظ والحماية.
ويشير نوكس، الذي شارك في إعداد تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة بعنوان “المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان للمنظمات الخاصة بالحماية والممولين”، إلى أن هذه المبادئ تهدف إلى توجيه المنظمات لتجنب الوقوع في مثل هذه الأزمات، من خلال تحديد واضح للمسؤوليات وآليات المحاسبة.
كما أكد المقرر الأممي السابق، في مقابلة أجراها مع موقع مونغاباي، أن سحب التمويل بالكامل من منطقة محمية يجب أن يكون الخيار الأخير، مشيرا إلى أن هناك ظروفا تفرض مثل هذا الإجراء، بحيث إذا فشلت المنظمات في استخدام نفوذها لمعالجة الانتهاكات أو تحقيق تغييرات جوهرية مع الشركاء الحكوميين، فإن الانسحاب يصبح أمرا لا مفر منه، ومع ذلك، يدعو نوكس إلى اعتماد مقاربة تدرجية تبدأ بإجراءات وقائية، وتشمل مراجعة دورية للمشاريع، مع ضمان إشراك المجتمعات المحلية في اتخاذ القرارات.
ويسلط التقرير الضوء على أمثلة محددة من مناطق مختلفة حول العالم، حيث أنه في بعض الحالات، تم توثيق عمليات طرد قسري للسكان المحليين تحت ذريعة توسيع المحميات الطبيعية، مما أدى إلى تدمير ثقافات تقليدية وسبل عيش تعتمد على البيئة المحيطة، وفي حالات أخرى، عانت المجتمعات من تقييد حريتها في التنقل داخل أراضيها التاريخية، وبالتالي تبرز هذه الحالات التحديات التي تواجهها المجتمعات في الدفاع عن حقوقها أمام سلطات محلية تتعاون مع منظمات دولية تسعى لتحقيق أهداف بيئية بحتة.
تجد المنظمات، التي تتعامل مع هذه القضايا نفسها أمام معضلة، بحيث يتم التساؤل عن كيفية تحقيق أهدافها البيئية دون التضحية بحقوق الإنسان؟، وهنا يشير نوكس إلى أهمية تطوير إطار عمل يعتمد على مبادئ حقوق الإنسان كجزء أساسي من التخطيط والتنفيذ. بحيث يجب أن يشمل هذا الإطار عمليات تحقق دورية من تأثير المشاريع، وآليات واضحة للمساءلة عند حدوث انتهاكات، وضمانات بأن يتم استخدام التمويل بطرق تعزز التعاون مع المجتمعات المحلية بدلا من الإضرار بها.
يدعو الخبراء، في مواجهة هذه التحديات، إلى زيادة الشفافية في العمليات التمويلية وضمان استقلالية التحقيقات في الانتهاكات، كما يشدد نوكس، في السياق ذاته، على ضرورة إشراك جهات مستقلة في رصد المشاريع لتقييم أثرها على حقوق الإنسان، وإعداد تقارير علنية تسلط الضوء على التقدم المحرز والمشاكل القائمة، مشيرا إلى أن المنظمات يجب أن تكون مستعدة لتحمل المسؤولية عن الانتهاكات التي تحدث ضمن نطاق تمويلها، حتى لو كانت غير مباشرة.
يؤكد الخبراء أيضا على أهمية التعليم وبناء القدرات داخل المجتمعات المحلية، ليتم بذلك ضمان أن تكون هذه المجتمعات على دراية بحقوقها، وأن تتمكن من الدفاع عنها في مواجهة أي محاولات للتعدي على هذه الحقوق.
يختتم نوكس حديثه بالتأكيد على أن حماية البيئة لا يمكن أن تكون فعالة ومستدامة إذا تم تجاهل حقوق الإنسان، فحماية البيئة وحقوق المجتمعات الأصلية يجب أن يسيرا جنبا إلى جنب لتحقيق التنمية المستدامة، ومن دون هذا التوازن، ستظل مشاريع الحماية عرضة للانتقادات وستفقد الدعم المحلي والدولي الذي تحتاجه لتحقيق أهدافها.