انقطاع الكهرباء في إسبانيا: أزمة تكشف محدودية البنية الطاقية وضرورة اعتماد النظم الهجينة

ECO1730 أبريل 2025
جميلة مرابط
 د. جميلة مرابط - متخصصة في شؤون الاستراتيجيات والسياسات الطاقية والتنمية المستدامة

في يوم 28 أبريل 2025، عاشت إسبانيا والبرتغال واحدة من أعنف الأزمات الكهربائية في تاريخهما الحديث، حين انقطع التيار بشكل شبه كلي عن معظم مناطق البلدين. ورغم أن التيار عاد تدريجيا، إلا أن الحدث أعاد إلى الواجهة سؤالا ملحا: ما مدى صمود أنظمتنا الطاقية أمام التحولات المناخية، والتهديدات السيبرانية، وتقلبات السوق الدولية؟ الواقع أن ما حدث لم يكن مجرد عطل فني أو خلل تقني، بل إشارة إنذار واضحة إلى هشاشة البنية التحتية الطاقية الأوروبية، التي تبدو غير مهيأة بما فيه الكفاية للتعامل مع الأزمات، رغم كل ما يُروج له عن “التحول الطاقي”. فكيف يمكن لنظام كهربائي يُفترض أنه متطور أن يفقد في خمس ثوان قدرة تقدر بـ15 غيغاواط، ويُفصل بالكامل عن شبكة أوروبا القارية؟

تكشف هذه الأزمة عن خلل مزدوج: بنية تحتية غير مرنة أمام الطوارئ، واعتماد مفرط على شبكات تقليدية أحادية المصدر. لم يكن هناك تخزين طاقي كاف، ولا استجابة تلقائية ذكية تُعيد التوازن، ولا نظم هجينة تعتمد على تنوع المصادر (شمس، رياح، واردات، تخزين…). في ظل هذا المشهد، تبرز الحلول القائمة على النجاعة الطاقية والنظم الهجينة كرافعة أساسية نحو نظام أكثر استدامة ومرونة. فالجمع بين مصادر متعددة للطاقة، وتكاملها عبر تقنيات التخزين والرقمنة، ليس مجرد خيار بيئي، بل أصبح ضرورة استراتيجية لضمان استمرارية الخدمة الطاقية، خاصة في حالات الطوارئ. النظام الهجين يسمح بتوزيع المخاطر، واستغلال الطبيعة المتغيرة لمصادر الطاقة المتجددة بطريقة أكثر فعالية، خاصة حين يكون مدعومًا بنظم ذكاء اصطناعي قادرة على التنبؤ وتعديل الإنتاج والتوزيع في الزمن الحقيقي.

كثيرا ما يُنظر إلى التنجيع الطاقي كإجراء تقني محدود التأثير، بينما هو في الحقيقة مدخل استراتيجي لإعادة هيكلة العرض والطلب، وتحقيق توازن بين التنمية والبيئة. لا يتعلق الأمر فقط بتقليل الاستهلاك، بل بتحسين الأداء العام للنظام، وضمان استدامة التزويد الطاقي في الحاضر والمستقبل. إن أحد دروس هذه الأزمة هو ضرورة تجاوز السيادة الطاقية التقليدية نحو سيادة ذكية، تقوم على تقاسم الموارد، وتكامل الشبكات، وتوظيف الرقمنة، دون إغفال أهمية الارتباط الجهوي، كما فعلت إسبانيا حين سحبت كهرباء من المغرب وفرنسا لاستعادة التوازن.

ما حدث في إسبانيا ليس استثناء، بل إنذار عالمي. وهو دعوة صريحة إلى دول الجنوب – خاصة في إفريقيا والعالم العربي – لتدارك التأخر في إصلاح أنظمتها الطاقية، والانخراط الجاد في استراتيجيات التنويع، التنجيع، والهجْنَنة الطاقية. فالتحول الطاقي الحقيقي لا يتم عبر بناء محطات عملاقة فقط، بل عبر إعادة التفكير في كيف ننتج، نستهلك، وندير الطاقة.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept