لا يمكن الحسم بشكل قاطع بشأن وجود أسس ومرتكزات بيئية محددة لفض المنازعات البيئية، إلا أنه يمكن تحديد بعض الركائز والمبادئ العامة التي يمكن اعتبارها كأسس مفيدة لحل الخلافات البيئية، بعيدا عن المبادئ التقليدية. حيث يمكن تصنيف هذه الأسس ضمن الوسائل السلمية لحل النزاعات البيئية وتعويض الأضرار الناتجة عن التلوث البيئي.
أولا: مبدأ المسؤوليات المشتركة – المتباينة
أصبح مبدأ المسؤولية المشتركة–المتباينة (1) من أهم المبادئ التي تحكم حركة المجتمع الدولي في مواجهة قضايا البيئة العالمية؛ فعلى جميع الدول، المتقدمة منها والنامية على حد سواء، المشاركة الإيجابية في التصدي للمخاطر البيئية العالمية مثل تغير المناخ وحماية طبقة الأوزون، وغير ذلك، بقدر ما يتاح للدول من إمكانات؛ أي إن المسؤولية في التصدي هي مسؤولية مشتركة، لكنها تكون بدرجات متفاوتة، وفقا لإمكانات كل طرف.
ويفيد مبدأ المسؤوليات المشتركة – المتباينة، إجمالا، أن كل الدول تتحمل مسؤولياتها تجاه القضايا البيئية، على الرغم من أن درجات المسؤولية ومستوياتها متباينة. فبما أن القضايا البيئية هي قضايا ذات بعد شمولي، فهي تتطلب حلول شمولية وعالمية، بحيث يستلزم هذا الأمر، التفاوض المباشر لحسم الخلافات البيئية العابرة للحدود.
ومن نتائج هذه المسؤولية المشتركة تعزيز آليات التعاون الدولي؛ إذ يمكن الاستفادة في هذا الصدد من مقتضيات المبدأ الثاني والعشرين من إعلان ستوكهولم المتعلق بالبيئة البشرية ل سنة1972، والمبدأ السابع من إعلان ريو دي جانيرو المتعلق بالبيئة والتنمية للعالم لسنة 1992.
في رأينا، يجب أن يتركز التعاون بشكل خاص على دعم البرامج والمشاريع البيئية، ونقل التكنولوجيا النظيفة، وتبادل الخبرات العلمية، وتعزيز المساعدة التقنية، بالإضافة إلى تفعيل آليات بروتوكول كيوطو. كما ينبغي تجنب ما يعرف بـ “التدخل الأخضر”، أي التدخلات البيئية المفروضة قسرا، إذ أن مجموعة من قرارات الجمعية العامة تؤكد على أهمية حماية الاستقلال الاقتصادي، مما يعني أن لكل دولة الحق في استغلال مواردها وثرواتها الطبيعية بحرية، مع مراعاة عدم التسبب في الإضرار بالدول المجاورة.
في مجال التعاون البيئي، يجب الإشارة إلى آلية مقابلة الديون بالاستثمارات في المجال الأخضر (Dept For Nature Swaps)، وهي آلية مهمة تهدف إلى تقليص الديون العامة للدول الفقيرة عبر مبادلة الديون بالاستثمار في مشاريع بيئية؛ إلا أن تطبيق هذه الآلية لا يزال ضعيفا، وحجمها محدود بسبب غياب الإحصاءات الدقيقة. إضافة إلى ذلك، يمكن للدول الصناعية استغلال هذه الآلية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول النامية تحت غطاء برنامج التقويم الهيكلي (Structural Adjustment Program) التابع للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، مع ما يترتب على ذلك من شروط مجحفة. أدى هذا إلى تبني الدول النامية لنهج ليبرالي في الاقتصاد، مما ساهم في أزمة المديونية التي بدأت في الثمانينيات. بشكل عام، سيساهم تطبيق مبدأ المسؤولية المشتركة والمتباينة في تمويل خطط الإصلاح البيئي، خاصة وأن الدول الصناعية تتحمل المسؤولية الرئيسية عن انبعاث الغازات السامة التي تضر بطبقة الأوزون (المسؤولية التاريخية). من شأن التمويلات المستمرة للمشاريع البيئية أن تساهم في تقليص المنازعات البيئية، بشرط أن تستخدم هذه التمويلات لأغراض بيئية وليست لأغراض سياسية ضيقة، مثل التدخل في الشؤون الداخلية تحت ذريعة حماية الموارد الطبيعية.
وبالرجوع إلى الاتفاقيات معظمها يتحدث عن المسؤولية التضامنية أو بدون ضرر وإن كان دلك بطريقة عرضية وغير مقصودة في بعض الأحيان:
- الاتفاقيات الدولية العامة – الالتزامات القانونية للأطراف.
- اتفاقية طبقة الأوزون.
- اتفاقية جنيف لعام 1977 للحماية من تلوث الهواء والضوضاء والاهتزازات.
- اتفاقية الحماية من التلوث الإشعاعي أو النووي
- معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية لعام 1967.
- اتفاقية جنيف لعام 1960 م بشأن حماية العمال من الإشعاعات المؤينة.
- اتفاقية الفضاء الخارجي لعام 1967.
- القواعد القانونية الاتفاقية الإقليمية.
- اتفاقية جنيف لعام 1969 م بشأن تلوث الهواء الجوي بعيد المدى عبر الحدود.
- الاتفاقية الكندية-الأمريكية لعام 1975 م بشأن تغيير الطقس.
- اتفاقية إستكهولم لعام 1974 م حول حماية البيئة.
ثانيا: المسؤولية الاجتماعية للشركات
إن تحديد مفهوم المسؤولية الاجتماعية للمقاولة قد يبدو صعبا لكونه مفهوما حديثا بالمقارنة مع الأنواع العديدة من المسؤوليات والتي ألفنا الحديث عنها من قبيل المسؤولية الأخلاقية والأدبية، المدنية ثم الجنائية، كما أنه في إطار قانون الشغل ألفنا الحديث عن نوع واحد ألا وهو المسؤولية القانونية لصاحب العمل أو العمال (2).
أما عبارة “الاجتماعية”، فهو مصطلح واسع وفضفاض يوحي إلى معالجة القضايا الاجتماعية للمجتمع برمته. وفي هذا الصدد نجد أن البعض (3) ذهب إلى القول أنه كان من الأجدر تسميتها بالمسؤولية المجتمعية “Sociétal” أو إضافة عبارة البيئية “environnemental” إلى عبارة الاجتماعية، ومن ثم القول “المسؤولية الاجتماعية والبيئية للمقاولة”، خاصة وأن عبارة “Social” في فرنسا مثلا توحي مباشرة إلى كل ما يربط العلاقة بين الأجير والمؤجر فقط، وهو ما يتنافى وأبعاد المسؤولية الاجتماعية.
هذا وقد حظي تعريف المسؤولية الاجتماعية باهتمام فقهي حاد، نتج عنه تعدد على مستوى المفاهيم والتي هي ناتجة بدورها عن تعدد الوظائف والمشاريع التي تقوم بها المقاولة الاجتماعية خاصة منها المتعلقة بالاقتصاد والتدبير.
وبالرغم من محاولة العديد من الفاعلين صياغة تعريف خاص للمسؤولية الاجتماعية للمقاولات فإن التعريف الأكثر قبولا هو التعريف الذي قدمته مؤخرا منظمة العمل الدولية مفاده: “أن المسؤولية الاجتماعية للمقاولة تترجم الطريقة التي من خلالها، تأخذ المقاولات في الاعتبار آثار أنشطتها على المجتمع، وترسيخ مبادئها وقيمها سواء عن طريق تطبيق مناهجها وعملياتها الداخلية أو في علاقتها مع الفاعلين الآخرين، فهي بمثابة مبادرة طوعية تحتل فيها المقاولات مركزا رئيسيا وتتعلق بأنشطة تتجاوز مجرد احترام القانون” (4). فمن خلال هذا التعريف، يتضح أن من أبرز سمات المسؤولية الاجتماعية للمقاولات طبيعتها التطوعية، حيث لا تقتصر على الامتثال للقوانين فقط، بل تتعداه إلى تنفيذ مبادرات إضافية تعود بالفائدة على المجتمع. وبذلك، يمكن القول إن مفهوم المسؤولية الاجتماعية أوسع من مفهوم “المقاولة المواطنة“، حيث تقتصر هذه الأخيرة على الالتزام بما يفرضه القانون، بينما تقوم “المقاولة الاجتماعية” بدور تطوعي يساهم في التنمية من خلال أنشطة اجتماعية وبيئية تهدف إلى تحسين ظروف عيش الإنسان.
ويمكن حصر أشكال المسؤولية الاجتماعية للمقاولة في شكلين أساسيين هما:
- المسؤولية الاجتماعية داخل المقاولة.
- المسؤولية الاجتماعية خارج المقاولة.
وما يهمنا هو المسؤولية الاجتماعية خارج المقاولة لاشتمالها على مجموعة من المجالات المتمثلة أساسا في:
المجال البيئي: مع نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، برز تيار تنموي يدعو إلى تحقيق تنمية متوافقة مع البيئة والاعتبارات البيئية بشكل عام. فقد أغفلت أدبيات التنمية التقليدية هذا الجانب، حيث تعاملت مع البيئة كمجرد وسيلة ولم تدمجها كعنصر أساسي في عمليات التنمية، مما أدى إلى فصل بين ما هو طبيعي وما هو اجتماعي، وبالتالي تجاهل البعد البيئي في التنمية. ومع ذلك، أصبح واضحا اليوم التأثير العميق لهذا البعد على مختلف مسارات التنمية والنظام الاجتماعي، مما فرض على المقاولات ضرورة مراعاة الاعتبارات البيئية، من خلال تبني ممارسات صناعية نظيفة بيئيا والمساهمة الفعالة في جهود حماية البيئة من التلوث.
مجال حماية المستهلك: مع التحول نحو الاقتصاد القائم على القطاع الخاص، أصبح تفهم رغبات واحتياجات المستهلك عاملا أساسيا لتحقيق النجاح والربح. لذلك، خصصت بعض المقاولات إدارات متخصصة لتحليل سلوك المستهلك في مختلف الأنشطة. ونظرا لأن هذا التوجه يتضمن بعدا أخلاقيا يتعلق بكيفية توظيف المنتجات لتلبية احتياجات المستهلكين، فقد بات أحد المكونات الرئيسة للمسؤولية الاجتماعية للمقاولات.
وبما أن المسؤولية الاجتماعية للمقاولة تقوم أساسا على مبدأ الطوعية في تنفيذ أنشطة تتجاوز مجرد الامتثال للقوانين، فإنها ترتكز على أبعاد متعددة، تشمل البعد البيئي، الاقتصادي، والاجتماعي، وهي الأبعاد ذاتها التي تقوم عليها التنمية المستدامة، وإن كانت هذه الأخيرة أوسع نطاقا. وتسعى المقاولات إلى دمج هذه الأبعاد ضمن استراتيجياتها الداخلية والخارجية، بما يعود عليها وعلى المجتمع بالفائدة، ويهدف بالأساس إلى تحقيق الاستقرار والسلم الاجتماعي.
- ركائز المسؤولية الاجتماعية
لقد تجاوزت المسؤولية الاجتماعية للمقاولة مفهوم العطاء العشوائي غير المنظم وغير المحدد الهدف، لتصبح ذات دور تنموي يشكل جزءا لا يتجزأ من نشاطاتها.
وتسعى المقاولات، على اختلاف طبيعة أنشطتها، إلى تحقيق الأداء الاقتصادي الذي يهدف إلى تعظيم أرباحها، غير أن هذا السعي قد يترتب عليه آثار سلبية، سواء على البيئة، من خلال التلوث واستنزاف الموارد الطبيعية، أو على المجتمع، من خلال الاستغلال غير العقلاني لليد العاملة، لا سيما من قبل المقاولات الكبرى، مما يؤثر سلبا على الأجراء ويهدد الأمن والصحة.
ورغم تعدد تعاريف المسؤولية الاجتماعية للمقاولة، كما أشرنا سابقا، فإنها جميعا تتمحور حول ركائز أساسية ينبغي مراعاتها، وهي (5):
- الحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي (البري والبحري والجوي).
- زيادة الأرباح المادية (العائد الاقتصادي) وتقليل التكاليف، وتوفير استخدام الموارد العامة وتقليل المخاطر على سلسلة القيمة المضافة.
- خدمة ومساعدة المجتمع المحيط، وكذا احترام حقوق الإنسان، ومراعاة الجانب الأخلاقي بالتزام الشفافية والحكم الرشيد.
أما فيما يخص الأداء البيئي، فإنه يشير إلى التزام المقاولة بالمشاركة في المبادرات أحادية الجانب أو التعاون مع السلطات العمومية لاتخاذ التدابير اللازمة للحد من الأضرار البيئية التي تتسبب فيها، بعدما كانت تتخذ في السابق موقفا دفاعيا تجاه هذه الأضرار. وتتجلى مسؤولية المقاولة البيئية في سعيها إلى تقديم حلول فعالة لكيفية التخلص من المنتجات الهيدروكربونية وغيرها من مصادر الطاقة الطبيعية والصناعية، دون التسبب في أزمات بيئية قد تؤثر سلبا على النظام البيئي. وهذا يستدعي من المقاولة تبني سياسة بيئية واضحة تعكس نواياها ومبادئها المرتبطة بأدائها البيئي الشامل (6).
ويتم توجيه الأداء البيئي للمقاولة التي تلتزم بمسؤوليتها الاجتماعية عبر تبني المقاربات الطوعية، والتي تعد الجيل الثالث من أدوات السياسة البيئية، حيث تهدف إلى تعزيز النجاعة البيئية للمقاولة (7). وباعتبار البيئة موردا طبيعيا أساسيا يزود المجتمع بعدد من الخدمات الحيوية التي تدعم الحياة البشرية، فقد أقرّ الميثاق العالمي للأمم المتحدة حول المسؤولية الاجتماعية، المنعقد في دافوس سنة 1999، أن حماية البيئة تمثل أحد الأضلاع الثلاثة التي يجب على المقاولة أخذها بعين الاعتبار، إلى جانب النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي.
أما البعد الاجتماعي، فيشير إلى الأنشطة التي تهدف إلى تعزيز المساهمة الاجتماعية للمقاولة، بحيث تحقق هذه المساهمة عائدا ملموسا للمجتمع. فالمقاولة ليست كيانا منفصلا، بل هي جزء لا يتجزأ من المجتمع الذي تمارس فيه نشاطها، وتعتمد عليه في ترويج منتجاتها والحصول على مدخلاتها.
ويعد الحديث عن البعد الاجتماعي في مسؤولية المقاولة حديثا عن التزاماتها تجاه المجتمع، مما يفرض عليها مراعاة الظروف والتحديات التي يواجهها. ولا شك أن المسؤولية الاجتماعية تشكل حجر الزاوية وأداة مهمة للحد من هيمنة العولمة الاقتصادية وجموحها، حيث يمثل القطاع الخاص والمقاولات جزءا أساسيا ومحوريا في النظام الاقتصادي الوطني.
- المسؤولية الاجتماعية والتنمية المستدامة
يتطلب تحقيق التنمية المستدامة اعتماد أساليب فعالة لتجاوز الأخطاء والعراقيل التي أدت إلى فشل مشاريع التغيير والإصلاح، مما أسفر عن عرقلة التنمية. فعلى سبيل المثال، تعود جذور المشكلات البيئية بالأساس إلى طبيعة المنظومة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بحيث يؤدي استقرار هذه المنظومة إلى الحفاظ على البيئة، والعكس صحيح (.
بناء على ذلك، لا يمكن تحقيق علاقة متينة بين البيئة والتنمية إلا ضمن إطار اقتصادي واجتماعي وسياسي متوازن. فالتنمية المستدامة لا تتحقق إلا في ظل استقرار سياسي، ونمو اقتصادي، ورفاه اجتماعي، وتقدم ثقافي وحضاري، حيث تمثل هذه العوامل الركائز الأساسية لهذا المفهوم.
وظهر مصطلح التنمية المستدامة لأول مرة عام 1987 في تقرير “بروتلاند” الصادر عن اللجنة العالمية للبيئة والتنمية تحت عنوان “مستقبلنا المشترك“، حيث طرح هذا التقرير تصورا جديدا للتنمية يقوم على الاستغلال الرشيد للموارد الطبيعية، مع تبني نهج وقائي ضد مختلف أشكال الاعتداءات البيئية.
يعكس مفهوم التنمية المستدامة التطورات التي طرأت على مفهوم التنمية بمرور الوقت. ففي عقد التنمية الأول الذي أقرته الأمم المتحدة (1960-1970)، ارتبط مفهوم التنمية بالنمو الاقتصادي، استنادا إلى مؤشرات اقتصادية بحتة. أما خلال عقد التنمية الثاني (1970-1980)، فقد اكتسب مفهوم التنمية أبعادا اجتماعية وسياسية وثقافية إلى جانب البعد الاقتصادي، فأصبح يشمل تغييرات هيكلية في النظم السياسية والثقافية داخل المجتمعات. ومع حلول عقد التنمية الثالث (1980-1990)، أضيف البعد الحقوقي والديمقراطي إلى التنمية، حيث باتت المشاركة السياسية والشعبية في صنع القرارات التنموية جزءا أساسيا من هذا المفهوم.
عاد الاهتمام العالمي بالتنمية المستدامة إلى الواجهة مجددا خلال قمة الأرض التي انعقدت في ريو دي جانيرو عام 1992، حيث كان من أبرز مخرجاتها جدول أعمال القرن 21 (21 Agenda)، الذي يمثل خارطة طريق لتنفيذ التنمية المستدامة بمختلف أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
تواصلت الجهود الدولية لدعم التنمية المستدامة، حيث انعقد مؤتمر جوهانسبورغ عام 2002 بهدف تقييم التحديات والفرص المرتبطة بتحقيق هذه التنمية، ومراجعة التقدم المحرز في تنفيذ جدول أعمال القرن 21. وأسفرت القمة عن إصدار خطة عمل جوهانسبورغ، التي تهدف إلى تسريع تنفيذ الأهداف والأنشطة الواردة في جدول أعمال القرن 21، من خلال تعزيز التعاون الدولي والإقليمي، مع التركيز على تخفيف الفقر، وترشيد أنماط الإنتاج والاستهلاك، وحماية الموارد الطبيعية، باعتبارها أهدافا محورية لتحقيق التنمية المستدامة.
تظهر هذه التوجهات البيئية الدولية، كما تجسدت في المؤتمرات السابقة، بداية بروز نموذج اقتصادي جديد يرتكز على الاعتبارات البيئية، ويهدف إلى تحقيق الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. ويمكن تسمية هذا النموذج بـ “الاقتصاد المستدام” أو “الاقتصاد الأخضر“، حيث أصبحت جميع الفاعلين الاقتصاديين مطالبين بالانخراط في هذا التوجه المسؤول، عبر تحسين أدائهم البيئي والاجتماعي.
ومع ذلك، فإن تحقيق التنمية المستدامة بشكل متكامل يظل تحديا صعبا على الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني وحدها، خصوصا فيما يتعلق بشمولها لمختلف فئات المجتمع. وهذا ما يفرض ضرورة تعزيز الشراكة بين مختلف الفاعلين عبر تبني استراتيجية المسؤولية الاجتماعية.
بناء على ذلك، لا تقتصر المسؤولية الاجتماعية للمقاولة على خدمة أجرائها وعمالها فحسب، بل تشمل مسؤولياتها تجاه المجتمع ككل. فمن الواضح أن الأنشطة التي تمارسها المقاولات تؤدي إلى آثار خارجية متعددة، لا سيما الاختلالات البيئية. لذا، بات من الضروري تبني نموذج للتنمية الاقتصادية يأخذ بعين الاعتبار الأبعاد البيئية والاجتماعية لنشاطات المقاولات.
وانطلاقا مما سبق، يمكن القول إن اعتماد الفقه لمبدأ المسؤولية بدون ضرر يعد الحل الأمثل للتعويض عن الأضرار البيئية الناجمة عن التلوث، خاصة في الحالات التي تتعدد فيها مصادره. كما أن المسؤولية التضامنية القائمة على مبدأ المسؤولية بدون ضرر، تعد مدخلا مهما لتعزيز العدالة البيئية وضمان تعويض الأضرار الناجمة عن التلوث والاستغلال غير المستدام للموارد الطبيعية. ومع تطور القوانين البيئية، تبرز الحاجة إلى آليات أكثر كفاءة لتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة. فهل يمكن اعتبار هذا المبدأ خطوة نحو تعزيز الالتزام الجماعي بالمسؤولية البيئية، أم أنه لا يزال بحاجة إلى تكييف قانوني أكثر دقة لضمان فعاليته؟
————————————-
لائحة المراجع:
- إبراهيم عبد الجليل، “التغيرات المناخية وقطاع الأعمال: الفرص والتحديات”، مجلة عالم الفكر، المجلد 37) الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2008 (، ص 131.
- الحاج الكوري: “المسؤولية الاجتماعية للمقاولة في حالة فصل الأجراء”، مجلة القانون المغربي، العدد 17، أبريل 2011.
- Cherqui najat : “Approche global de la R.S.E”, mémoires en vue de l’obtention du diplôme de master, Fsjest, Tanger.
- ميمون الوكيلي: “المقاولة بين حرية التدبير ومبدأ استقرار الشغل”، الجزء الأول، الطبعة 2009، ص: 9.
- أحمد عباده العربي: “دور الجهات الخيرية في المسؤولية الاجتماعية للشركات”، المركز الدولي للأبحاث والدراسات، الطبعة الأولى، 2009، ص: 65-66.
- الطاهر خاصرة: “المسؤولية البيئية والاجتماعية مدخل لمساهمة المؤسسة الاقتصادية في تحقيق التنمية المستدامة”، رسالة لنيل دبلوم الماستر جامعة قصدي مرباح ورقلة، الجزائر، 2007، ص: 11.
- Maria David : “Economie des approches volontaires dans les politiques environnementaux en concurrence et coopération imparfaites”, Thèse de doctorat en économie, Ecole poly technique de Paris, Mai 2004.