المرأة الفاعلة في المجتمع المدني ومشاركتها في مؤتمرات المناخ: دراسة حالة المغرب

ECO171 أبريل 2025
المرأة الفاعلة في المجتمع المدني ومشاركتها في مؤتمرات المناخ: دراسة حالة المغرب
يوسف الكمري ـ مركز التنمية لجهة تانسيفت  (CDRT)، مراكش 

 يؤثر المناخ المتغير على الجميع، لكن الأفراد في وضعية هشة، وخاصة النساء والفتيات، هم من يتحملون وطأة الصدمات البيئية والاقتصادية والاجتماعية. لكن النساء والفتيات هن أيضاً من أوائل من تبنى التقنيات الزراعية الجديدة، وهن أول المتأثرين بوقوع الكوارث الطبيعية، في ظل تصدرهن لتدبير المنزل بما فيه الطاقة الكهربائية وادارة الموارد المائية والنفايات المنزلية. لذا لا يمكن أن يكون العمل المناخي ناجحاً أو مستداماً إذا لم يشمل النساء.

وأكدت مختلف الدراسات المنجزة في هذا الصدد، على أن النساء اللواتي هن ضحايا تأثيرات التغيرات المناخية بإمكانهن أن يكن حاملات حلول ومشاريع من أجل دعم وتعزيز آليات ووسائل التكيف والتخفيف لأنهن يتمتعن بمهارات وكفاءة عالية تمكنهن من المساهمة بفعالية في الجهود المبذولة في مواجهة التغيرات المناخية. وقد خص الأمين العام للأمم المتحدة القيادة النسائية بالثناء بسبب قدرتهن الفريدة كـ “محركات للحلول” عندما يتم تمكينهن. وقد أظهر تحليل قامت به الأمم المتحدة أن الرجال والنساء لديهم آليات تأقلم مختلفة ونقاط ضعف في مواجهة تغير المناخ. فليس من المستغرب إذن أخذ عامل ديناميات النوع الاجتماعي في الاعتبار عند تصميم وتنفيذ استراتيجيات للنُهُج التكيفية مع تغير المناخ.

في هذا الإطار، فقد تمكّنتْ غالبيةُ الدول الأطراف الموقِّعة على الاتفاقية الإطار للمناخ (UNFCCC)، من إعادة التفكير في نمط العمل وآلياته، على مستوى التخطيط والبرمجة وتنفيذ وتتبع السياسات المناخية المراعية للنوع الاجتماعي، وذلك بهدف بلوغ أعلى درجات الإنصاف والمساواة بين الجنسين. وفي هذا الاتجاه، تُشكِّل المقاربةُ الجديدة لمؤتمرات الأطراف للمناخ (COP)، والتي تمَّ التداول فيها بدايةً منذ سنة 2012، فرصة لتكريس ثقافةٍ جديدةٍ لِخُطًّةِ عملِ المناخ على المستوى الدولي، وهي الخطّة التي ترتكزُ على منطق النتائج والنجاعة والمساءلة، بوصفه نقطة ارتكاز تعزّزُ دورَ النساء في خطّة عمل المناخ، وهنا تبرز أهمية مشاركة المرأة في تعزيز جهود التصدي لتغيّرات المناخ والتكيّف معها.

وعياً منا بأهمية توفر المعطيات الدقيقة حول المشاركة الفعلية للمرآة المغربية الناشطة في المجتمع المدني البيئي في مؤتمرات المناخ (COP) من أجل تحسين معرفة وفهم مشاركتها ورصد أدوارها، تم إنجاز بحث ميداني شمل 125 ممثل (ة) عن جمعيات المجتمع المدني المغربي حول موضوع تقييم تمثيلية نساء المجتمع المدني في مفاوضات المناخ، من مؤتمر المناخ بمراكش سنة 2016 (COP22) إلى شرم الشيخ، سنة 2022 (COP27)؛ وذلك عبر توزيع استمارة الكترونية (تتضمن 23 سؤالاً مفتوحاً)، ووزعت عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي المتاحة. وقد تم تقديم نتائجها خلال المشاركة في اشغال المنتدى الإقليمي الثالث لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حول المرأة والمناخ، ما بين 16 18 شتنبر 2023 – تونس، بتنظيم من “شبكة العمل المناخي – الوطن العربي”،  وبدعم مشروع الطاقة والمناخ الاقليمي لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في مؤسسة “فريدريش إيبرت”.

حوالي 125 من المشاركين في الاستبانة هم رجال (59.3٪). وتبلغ نسبة النساء 40.7٪. أكثر من نصف المستجوبين/ات هم من الفئة العمرية الذين تتجاوز أعمارهم 45 سنة (72٪)، النساء أقل نسبيًا من الرجال بالنسبة لهذه الفئة العمرية، أي 39.4٪ مقابل 44.7٪ على التوالي. وتصل أعلى مستوى لمصدر المشاركة حسب التقسيم الجغرافي في المغرب في اثني عشر جهة/منطقة على النحو التالي: من جهة (مراكش – آسفي) بنسبة 38.4٪، ومن جهة (الرباط – سلا – القنيطرة) بنسبة (24.8٪)، وأدنى مستوى لها لدى المنحدرين من جهة (طنجة – تطوان – الحسيمة) بواقع أقل من 10. ومن جهة (الدار البيضاء – سطات) (8.8٪) و(06.8٪) في جهة (بني ملال – خنيفرة). أما بالجهات الأخرى فهي ممثلة بنسب دون 7%.

ويتضح من خلال نتائج البحث المنجز (الرسم البياني رقم 1)، أن البيئة والتنمية المستدامة هي المجال الأول الذي ينتمي إليه جل المشاركين في الاستبانة من المجتمع المدني المغربي بنسبة 84 ٪، متبوعاً بالمجال الثاني: التغير المناخي بواقع (54.5٪) والمجال الثالث: المرأة والنوع الاجتماعي بنسبة (32.8٪). كما أن 14.4٪ فقط يهتمون بمجال حقوق الإنسان. 19.2٪ يهتمون بمجالات أخرى (التعليم، الطفل، التضامن، …).

الرسم البياني (1): مجالات اهتمام المجتمع المدني في المغرب المشارك في مؤتمرات المناخ

أما بخصوص الجمعيات المغربية المشاركة في هذا البحث، والتي لها صفة مراقب في مؤتمر الأطراف (COP) فإن عددها 13 جمعية، وأول جمعية حصلت على الاعتماد (صفة مراقب) يرجع إلى سنة 2010، في حين أن أخر جمعية حصلت عليه كان سنة 2018، و43.2٪ فقط من الجمعيات لها اعتماد مراقب المجتمع المدني في مفاوضات المناخ للأمم المتحدة. في حين أن 32/125 من النساء المعنيات بالدراسة صرحن أنهن لا ينتمين إلى جمعيات ليست لها صفة مراقب عن المجتمع المدني (observer organizations).

أما بخصوص أعلى مشاركة لهن خلال فترة الدراسة، فقد تحددت خلال مشاركتهن في مؤتمر المناخ خلال دورته الثانية والعشرين المنظمة سنة 2016 بمراكش – المغرب. فيما كانت نتيجة البحث بخصوص تمويل مشاركتهن في مؤتمرات المناخ، بأن 51.2% أكدن على أن مشاركتهن تعتمد بالأساس على التمويل الشخصي والامكانيات الفردية، فيما حصلت 12 منهن (23.2%) فقط على تمويل كامل من منظمات غير حكومية دولية (الرسم البياني رقم 2).

الرسم البياني رقم (2): مصادر تمويل المشاركين/ات في مؤتمرات المناخ

كما أن 12 في المائة فقط منهن شاركن في أنشطة المنطقة الزرقاء. و17.6% فقط منهن لم يتمكن من المشاركة في إحدى غرف المفاوضات والاجتماعات الرسمية للمناخ.

أما فيما يخص أهم المجالات التي استرعت اهتمامهن خلال مشاركتهن في مؤتمرات المناخ، نجد موضوع المياه بنسبة 59.2 في المائة، وإزالة الكاربون بنسبة 41.2 في المائة، والطاقة بنسبة 32 في المائة والنوع الاجتماعي بنسبة 27 في المائة (الرسم البياني 3)

الرسم البياني 3: المجالات التي استرعت اهتمام المشاركين/ات خلال مؤتمرات المناخ

كما خلص البحث إلى كون 26.5 في المائة من النساء لم يشاركن في مسيرة المناخ للمجتمع المدني، والتي تنظم على هامش فعاليات مؤتمرات المناخ، كما أن 21.6 في المائة منهن لم يشاركن في الحدث الخاص بيوم النوع Gender Day.

في ضوء الدراسة التحليلية، هناك وقوفٌ على مجموعة من الإكراهات والتحديات التي تعيق مشاركة المرأة المغربية الناشطة في العمل المناخي خلال مؤتمرات الأطراف (COP)، وهي تتمثَّل في: محدودية التمويل (65,6%)، وعدم الإلمام بقضايا المناخ (42,4%)، وعدم التمكن من اللغات الأجنبية (24,8%)، ومحدودية المستوى التعليمي (4,8%).

الرسم البياني 4: أسباب ضعف تمثيلية المرأة المغربية في الوفود المشاركة في مؤتمرات المناخ

ما خلصت الدراسة إلى أن 41,6 في المائة من المشاركين في الاستبانة من المجتمع المدني المغربي، صرحوا أن تمثيلية المرأة في مؤتمرات المناخ لا تتجاوز 20 في المائة. ومن خلال نتائج الدراسة، نؤكد على أن النساء اللواتي هن ضحايا لتأثيرات التغيرات المناخية بإمكانهن أن يكن حاملات حلول ومشاريع من أجل دعم وتعزيز آليات ووسائل التكيف والتخفيف لأنهن يتمتعن بمهارات وكفاءة عالية تمكنهن من المساهمة بفعالية في الجهود المبذولة في مواجهة التغيرات المناخية. ومن أجل رفع تحديات تأثيرات التغيرات المناخية نشدد على ضرورة الحد أولا وقبل كل شيء من أوجه عدم المساواة القائمة على النوع الاجتماعي (الولوج إلى التمويل والموارد والتربية والتكوين)، مع دعم وتعزيز إشراك المرأة وتحسين تمثيليتها في مسلسل اتخاذ القرار والسياسات والبرامج المرتبطة بمكافحة التغيرات المناخية .لكن وعلى الرغم من الجهود المبذولة والنتائج المحققة إلى حدود الساعة، نرى أن هناك حاجة ماسة إلى رفع الوعي بقضايا ” المرأة والمناخ “، من قبل المجتمع المدني المغربي، وهو مطالب بأن يتولَّى مَهمَّةً ضروريّةً تتمثَّلُ في تذكير الأطراف المتفاوضة خلال مؤتمرات المناخ (COP) بأن المرأة ممثلة تمثيلاً غيرَ كافٍ، وأنًّ مسألةَ مشاركةِ النساء والرجال ينبغي لها أن تُفعَّلَ على قدم المساواة وبالدرجةِ نفسِها في المعركة ضدّ التغيُّرات المناخية. كما نوصي بما يلي:

  • الرفع من تمثيلية المرأة في مؤتمرات الأطراف، بحيث يجب أن تصبح متساوية مع الرجل بنسبة 50 في المئة (المناصفة في الوفود المشاركة في كوب)، وتطبيق مبدأ المساواة بين الجنسين داخل هيئات المجتمع المدني باعتبار المرأة الأكثر تضررا بأثار التغيرات المناخية وخاصة الفئات الهشة بالوسط القروي (الأرياف).
  • تسليط الضوء على الحاجة إلى وضع تدابير مشتركة يمكن أن تعمل على تقريب عمل الجمعيات النشطة في حقوق المرأة، وكذا التأكيد على أهمية تطوير آليات ووسائل لتعزيز الوصول إلى التمويل، استجابة للحاجة الملحة لدمج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات العامة المتعلقة بالتخفيف من آثار تغير المناخ.
  • وضع استراتيجية وطنية خاصة بالمشاركة النسائية المغربية في المحافل الدولية والإيمان بالكفاءات الوطنية النسوية وتشجيعها على المشاركة في المفاوضات من خلال التكوين المستمر في قضايا مناصرة حقوق المرأة المرتبطة بالمناخ.
  • العمل على تقوية قدرات النساء في المجالات المرتبطة بالتغيير المناخي واسهام الدول الأعضاء في اتفاقية المناخ وشبكات المنظمات غير الحكومية الدولية من أجل تعبئة الموارد المالية في أفق الرفع من مشاركة النساء في الدورات المقبلة ل (COP).
  • تيسير ولوج النساء لمناصب المسؤولية داخل جمعيات المجتمع المدني وتعزيز تدابير التمييز الإيجابي.
  • الإشراك في التحضيرات واللقاءات القبلية لإعداد الأنشطة الخاصة بمؤتمرات الأطراف والمواكبة للمشاركات من النساء والاعتراف بأهمية النوع الاجتماعي في التخطيط المناخي.
  • توحيد جهود الجمعيات من أجل ترسيخ القيادة النسائية وتمكين المرأة من الوصول بشكل أفضل إلى مناصب صنع القرار والولوج إلى الموارد الطبيعية والمالية. كما يجب الإشارة إلى أن المغرب يضم كفاءات نسائية قادرة على النهوض بقضايا النوع الاجتماعي في صلة بالمناخ والترافع عنها.
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق