بفضل الاعتدال في الاستهلاك، وتحقيق التوازن بين التمتع بالنعم ومشاركة الطعام مع المحتاجين، نساعد في تقليل الهدر وتقليل الأثر البيئي لموائدنا في رمضان .
تكثر أعداد الطعام، على الموائد المغربية، في شهر رمضان المبارك، وتنتشر أطباق متنوعة وغنية، لدرجة تجعنا أمام هَدر غير مبرر للطعام، ينتهي بكميات كبيرة من الأطعمة في القمامة. هذا التَبذير للنعم الثمينة التي لو تم استثمارها بشكل صحيح لكان لها دور كبير في مواجهة الفقر وتوفير الطعام للمحتاجين.
يدعو الإسلام، في جوهره، إلى الاعتدال في كل شيء، بما في ذلك الطعام. ففي القرآن الكريم، نجد دعوات صريحة لعدم الإسراف أو التبذير، التي تبرز بوضوح في الآية الكريمة: “إِنَّ ٱلْمبَذِّرِينَ كَانوا۟ إِخْوَٰنَ ٱلشَّيَٰطِينِۖ وَكَانَ ٱلشَّيْطَٰن لِرَبِّهِۦ كَفورا”،(الإسراء: 27). فهذه الآية تَحذرنا من أن التبذير ليس فقط أمرا مخالفا للشرع، بل يقربنا من صفات الشيطان الذي يشيع الفساد في الأرض. فالطعام ليس ملكا لنا فقط، بل هو أمانة يجب الحفاظ عليها.
أما في الآية الكريمة: “وَكلوا۟ وَٱشْرَبوا۟ وَلَا تسْرِفوا۟ إِنَّه لَا يحِبّ ٱلْمسْرِفِينَ”،(الأعراف: 31). تؤكد لنا الآية أن الإسلام لا يعارض التمتع بنعم الله، ولكن يشترط أن يتم ذلك باعتدال، بعيدا عن الإفراط. وهذا لا يشمل فقط الطعام الذي نستهلكه بأنفسنا، بل يمتد ليشمل أيضا الحفاظ على الموارد الطبيعية التي نهدرها في طعامنا الزائد.
وفي آية أخرى تتحدث عن الطمأنينة في توزيع الطعام: “وَيطْعِمونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حبِّهِۦ مِسْكِينا وَيَتِيما وَأَسِيرا”، (الإنسان: 8). يحدثنا القرآن الكريم على أن الطعام ليس فقط من أجلنا، بل يجب أن يشارك مع من هم في حاجة إليه؛ وهذه دعوة لنا لتوسيع مفهوم “النعمة” بحيث لا تقتصر على الاستهلاك الشخصي، بل تشمل العطاء والمشاركة مع الآخرين، مما يعكس روح التعاون والمساواة التي يدعونا الإسلام إلى تجسيدها في حياتنا اليومية.
لا يقتصر تأثير تبذير الطعام، فقط، على الجانب الروحي، بل يتجاوز ذلك إلى التأثيرات البيئية الكبيرة، فكميات الطعام التي يتم التخلص منها لا تضر فقط بالاقتصاد، بل تؤثر أيضا على البيئة، بحيث يساهم هذا الهدر في زيادة النفايات التي تؤدي بدورها إلى تلوث البيئة وارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة.
يجب أن نتذكر دائما أن شهر رمضان ليس فقط مناسبة للعبادة، بل هو فرصة لتأمل كيف نستهلك ونقدّر نعم الله في طعامنا. كما يجب أن نحرص على التوازن في تناول الطعام وتجنب الهدر، وذلك حفاظا على صحة أجسادنا، و البيئة من حولنا، ومساعدة الفقراء والمحتاجين.
