الصيام والقيم البيئية

ECO177 مارس 2025
الصيام والقيم البيئية
عبد الحكيم شتيوي-باحث في أخلاقيات الاستدامة

يواجه الإنسان المعاصر كثيرا من التحديات المادية والمعنوية، مثل الأزمة الأخلاقية والبيئية والمناخية والهجرة والحروب وغيرها من المشكلات، ولعل السبب، كما يتفق عليه أغلب الباحثين والدارسين وحكماء العالم، أن الخلل في الإنسان ولا سبب غيره؛ لأن الإنسان خرج عن إنسانيته ورشده واعتداله ووسطيته في كثير من تصرفاته وسلوكياته الحياتية فكرا وسلوكا وآدابا.

وإذا كان الإنسان ينماز في تعريف طه عبد الرحمان بأنه كائن أخلاقي؛ فإن ذلك يحيل على أن رقي الإنسان وسموه مرتبط ورهين بمستوى تخلقه بالقيم والفضائل الإنسانية العامة، فيحقق حينها تصالحه مع نفسه ومع الموجودات من حوله بسلامتها وبقائها صالحة كما خلقها المولى سبحانه وتعالى؛ فيشعر الإنسان حينها بالسلامة وراحة البال داخليا وخارجيا.

ولذا يقول أحمد شوقي:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت  == فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

من هنا فإن الإسلام دين أخلاقي بالدرجة الأولى يؤسس لإنسان حامل لحقيقة الإنسانية في أبعادها المختلفة ماديا ومعنويا. ومن ثم، كانت عبادات الإسلام ومعاملاته تؤسس لإنسانية الإنسان وانسجامه وتناغمه مع الكون من حوله.

ومن أهم العبادات في الإسلام والمحققة لهذا المبتغى والمقصد السامي عبادة الصيام؛ فالصيام في معناه العام هو الامتناع المقصود من لدن الإنسان المسلم، أي إن الإنسان المسلم يمتنع طواعية وبإرادته عن المباح والحلال ممارسة، واتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، تربية لنفسه وجوارحه وتحفيزها نحو التسامي والرفعة عن باقي الحيوانات التي يحكمها قانون الغاب والغلبة والقوة والسيطرة.

فعبادة الصيام تحيل على الامتناع المقصود أي القاصد؛ أي يصدر عن الإنسان المسلم والمتمثل في النية، والذي يبرز بأن الإرادة هي العمل والفاعلية فيمتنع الإنسان عن أشياء ويأتي أشياء أخرى بنظام وانتظام؛ فقد يكون المسلم، لمدة إحدى عشر شهرا، بعيدا عن بعض الأعمال الصالحة، ولكن في شهر الصيام يكثر منها تدريبا وتربية لتصبح سلوكا معتادا للإنسان، بمعنى أن الإنسان هو مصدر الخير ومصدر الشر، بحسب إرادته وعزيمته.

إن الصيام تربية روحية تحفز جانب الإرادة والفاعلية لدى الإنسان واختيار الأصلح والأنسب للترقي في مدارج الإنسانية.

ورمضان ارتبط في تاريخ الأمة المسلمة بأنه تحول وتغير نحو الأصلح مثل: محاربة أنانية النفس البشرية وتعصبها، وتصحيح سلوكيات الإنسان وفهمه للحياة والموجودات من حوله.

وتحديد أهمية وحقيقة البيئة والمناخ اللذان يحيلان على مكان ومنزل إقامة الإنسان وما يتعرض له من أحوال وظروف تعتريه فيعيش الخير أو الشر…

لكن، هذا الإحساس والشعور بالشر، في حياة الإنسان، هو تعبير عما أحدثه الإنسان في واقعه وحياته من مناهج وأساليب للحياة تتراوح ما بين الإفراط والتفريط ونهب حقوق الموجودات من حوله، فيصاب باليأس والمعاناة جراء اعتدائه على عناصر البيئة ومكوناتها.

إن الإنسان المعاصر في حاجة إلى حوافز التحكم في نفسه وإرادته حتى يرجع إلى سلوكياته وتصرفاته الإنسانية الحقة في عناصر البيئة ومكوناتها ومنها الغذاء والماء والطاقة بعدل واعتدال ووسطية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق