السلوك المستدام… سبيل لضمان الأمن الغذائي

ECO176 أبريل 2025
السلوك المستدام… سبيل لضمان الأمن الغذائي

شبكة بيئة ابوظبي، إعداد: فاطمة الزهراء المالكي، طالبة باحثة بماستر: ديداكتيك العلوم الاجتماعية

تأطير: د عبد العزيز فعرس/ كلية علوم التربية، جامعة محمد الخامس بالرباط، المملكة المغربية

استلهاماً من المحاضرة القيمة التي القاها المهندس عماد سعد خبير الاستدامة والمسؤولية المجتمعية، يوم الاحد 16 مارس 2025، حول موضوع” تقليل هدر الطعام في رمضان يعزز المسؤولية لتحقيق التنمية المستدامة”، وذلك في إطار محاضرات كرسي الإلكسو للتربية على التنمية المستدامة بكلية علوم التربية جامعة محمد الخامس، اطرح سؤال: كيف يمكن للسلوك المستدام أن يكون سبيلا لضمان الأمن الغذائي؟

السلوك المستدام… سبيل لضمان الأمن الغذائي
إن ما يعرفه العالم اليوم من تزايد مستمر في عدد السكان والتغيرات المناخية المتسارعة، أصبح تحقيق الأمن الغذائي تحديا عالميا يتطلب استراتيجيات فعالة وسياسات مستدامة، فمع تراجع الموارد الطبيعية، وتدهور التربة، وشح المياه، وارتفاع معدلات الهدر الغذائي، بات من الضروري البحث عن حلول تضمن توافر الغذاء للجميع دون الإضرار بالنظام البيئي أو استنزاف مقدرات الأجيال القادمة.

وفي هذا السياق، يبرز مفهوم السلوك المستدام كعامل حاسم في بناء نظام غذائي متوازن ومستدام حيث تلعب السلوكيات البيئية القويمة سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو الحكومات دورا جوهريا في الحد من الهدر والفقد الغذائي باختلاف المفهومين، وذلك من خلال تحسين أساليب الاستهلاك والإنتاج عبر التخطيط الجيد لها، والاعتماد على أساليب زراعية تحافظ على التنوع البيولوجي وترشيد استهلاك الموارد.

ورغم أن تبني السلوك المستدام بات ضرورة ملحة، إلا أن تحقيقه يواجه العديد من التحديات، مثل ضعف الوعي البيئي، وغياب التشريعات الداعمة، والعادات الغذائية غير الصحية. لذا، فإن نشر ثقافة السلوك المستدام وتعزيز الممارسات المسؤولة في التعامل مع الغذاء يعد من الركائز الأساسية لضمان الأمن الغذائي وتحقيق توازن مستدام بين الإنسان والبيئة. فكيف يمكننا تعزيز هذه الممارسات في حياتنا اليومية؟ وما هي الإجراءات التي ينبغي اتخاذها لضمان استدامة الأمن الغذائي للأجيال القادمة؟

السلوك المستدام: ضرورة وليس خياراً
لم يعد الحديث عن الاستدامة مجرد ترف فكري أو خيار يمكن تجاوزه، بل أصبح ضرورة حتمية لضمان مستقبل الأجيال القادمة. فمع التغيرات المناخية المتسارعة، واستنزاف الموارد الطبيعية، وارتفاع معدلات التلوث والهدر الغذائي حيث تشير تقارير منظمة الأغذية والزراعة الفاو إلى أن المنطقة العربية تهدر حوالي 250 كلغ من الغذاء للفرد سنويا، وهو رقم مقلق في ظل الندرة المائية وارتفاع واردات الغذاء، وحسب تقرير “الأمن الغذائي العربي” الصادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات سنة 2023، فإن أكثر من 50% من الغذاء في الدول العربية يأتي من الاستيراد، ما يجعل الأمن الغذائي هشا أمام الأزمات العالمية. وبالنظر إلى الموارد المائية، فإن 13 دولة عربية من أصل 22 تصنف ضمن أفقر دول العالم مائيا، ما يعقد إنتاج الغذاء محليا.

في ظل هذه الإحصائيات الرسمية بات تبني السلوك المستدام السبيل الوحيد للحفاظ على التوازن بين احتياجات الإنسان وإمكانات الارض دون الإضرار بالنظام البيئي.

يتطلب إحداث تغيير حقيقي تغييرا ثقافيا طويل المدى يتجاوز مجرد سياسات مؤقتة، ليصبح جزءا من السلوك اليومي للأفراد والمجتمعات. ويستلزم ذلك تعاونا عالميا وإرادة سياسية قوية لترسيخ السلوكيات المستدامة، باعتبار التنمية لا تأتي على حساب حقوق الأجيال القادمة، بل تسهم في بناء مستقبل أكثر توازنا واستدامة، فالاستدامة ليست خيارا، بل هي الطريق الوحيد نحو مستقبل مزدهر وآمن.

الربط بين السلوك المستدام والأمن الغذائي
يعتبر الأمن الغذائي من أهم التحديات التي تواجه العالم اليوم، إذ يعتمد على توافر الغذاء، إمكانية الوصول إليه، جودته، واستدامة إنتاجه. وهنا يتجلى دور السلوك المستدام في دعم هذا الأمن بعدة طرق أبرزها:

1 تقليل الهدر الغذائي: 
تشير التقارير إلى أن ثلث الغذاء المنتج عالميا يهدر، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية وبيئية جسيمة، ويمكن تقليل هذا الهدر عبر تحسين سلاسل التوريد وتوعية المستهلكين بطرق التخزين والاستهلاك الصحيحة مع دعم التشريعات التي تعزز التبرع بالطعام الفائض.

2. الزراعة المستدامة: إن تبني أساليب الزراعة العضوية، والتقنيات الحديثة مثل الزراعة العمودية والذكية مناخيا سيساهم في تقليل الضغط على الموارد الطبيعية ويضمن إنتاجا غذائيا مستداما.

3. الأنظمة الغذائية الصحية والمستدامة: تعزيز الوعي بأهمية اختيار الأغذية التي تتطلب موارد أقل لإنتاجها، مثل الأطعمة النباتية، وتقليل الاعتماد على المنتجات التي تستهلك كميات كبيرة من المياه والطاقة.

4. دعم الاقتصاد المحلي: الشراء من المنتجين المحليين يساهم في تقليل البصمة الكربونية الناجمة عن نقل الأغذية لمسافات طويلة، ويدعم المجتمعات الزراعية المحلية.

تحديات أمام تحقيق السلوك المستدام
رغم تزايد الوعي بأهمية السلوك المستدام كجزء لا يتجزأ من ركائز التنمية المستدامة، إلا أن تطبيقه يواجه عدة تحديات تعيق اعتماده وممارسته على نطاق واسع. هذه التحديات تتنوع بين الاجتماعية والاقتصادية والتقنية ثم التشريعية، مما يتطلب استراتيجيات متكاملة للتغلب عليها.

 التحديات السلوكية والثقافية
ضعف الوعي البيئي: لا يزال جزء كبير من المجتمعات غير مدرك لأهمية الاستدامة وتأثير السلوكيات الفردية على البيئة.
صعوبة التغيير: الكثيرون يفضلون العادات الاستهلاكية التقليدية ويرون في التغيير نحو الاستدامة تكلفة إضافية أو عبئا.
غياب ثقافة المسؤولية المشترك: يميل الأفراد إلى اعتبار الحفاظ على البيئة مسؤولية الحكومات فقط، بدلا من أن يكون مسؤولية جماعية.

 التحديات الاقتصادية
تكلفة المنتجات المستدامة: غالبا ما تكون المنتجات الصديقة للبيئة أغلى من البدائل التقليدية، مما يجعلها غير متاحة للجميع.
ضعف الحوافز الاقتصادية: قلة السياسات التي تدعم الشركات والمستهلكين في تبني ممارسات مستدامة مثل الإعفاءات الضريبية أو الدعم الحكومي.
ضغط النمو الاقتصادي: بعض الدول تضع الأولوية للنمو الاقتصادي السريع على حساب الاستدامة البيئية.

 التحديات التقنية واللوجستية
نقص البنية التحتية الداعمة: ضعف أنظمة إعادة التدوير، وقلة شبكات النقل المستدام، ونقص مرافق الطاقة المتجددة.
التكنولوجيا الباهظة: على الرغم من التطور في التقنيات المستدامة، فإن تكاليف البحث والتطوير لا تزال مرتفعة، مما يحد من انتشارها.
صعوبة الوصول إلى بدائل مستدامة: بعض المناطق لا تتوفر فيها خيارات مستدامة مثل وسائل النقل الصديقة للبيئة أو المنتجات العضوية.

 التحديات التشريعية والسياسية
ضعف القوانين والتشريعات البيئية: في بعض الدول، لا توجد قوانين صارمة تلزم الأفراد والشركات بإتباع ممارسات مستدامة.
غياب الرقابة والتطبيق الفعلي: إن الدول التي لديها قوانين بيئية، قد يكون تنفيذها ضعيفا بسبب قلة الوعي البيئي أو نقص الموارد …
التأثيرات السياسية والاقتصادية: بعض السياسات البيئية قد تواجه معارضة من جماعات المصالح الاقتصادية، مثل الصناعات التي تعتمد على الوقود الأحفوري.

 التحديات البيئية والتغيرات المناخية
تأثيرات التغير المناخي: ارتفاع درجات الحرارة، شح الموارد المائية، والتصحر قد يجعل من الصعب تطبيق بعض الممارسات المستدامة مثل الزراعة العضوية.
التلوث والتدهور البيئي: في بعض المناطق، وصل التلوث إلى مستويات تجعل التحول إلى سلوك مستدام أكثر تعقيدا وصعوبة.

نحو مستقبل أكثر استدامة
لضمان تحقيق الاستدامة في حياتنا اليومية، لا يكفي الحديث عن المبادئ النظرية، بل يجب تبني نهج عملي يعتمد على خطوات واقعية قابلة للتطبيق والممارسة. وان تحقيق ذلك يأتي من خلال مقاربة شاملة تهم الفرد، المجتمع، والمؤسسات، حيث يتحمل كل طرف مسؤوليته في إحداث التغيير الإيجابي.

على المستوى الفردي: ممارسات يومية مستدامة
 ترشيد استهلاك الموارد: تقليل استخدام المياه والطاقة عبر تبني عادات بسيطة مثل إطفاء الأجهزة غير المستخدمة، وإعادة تدوير المياه الرمادية.
 تقليل النفايات: اعتماد نظام إعادة التدوير، وتقليل استخدام البلاستيك، والاعتماد على المنتجات القابلة للتحلل.
 تبني نمط غذائي مستدام: تقليل الهدر الغذائي، ودعم المنتجات المحلية والعضوية، وتجنب الاستهلاك المفرط للغداء.
 النقل المستدام: تقليل الاعتماد على السيارات الفردية، واستخدام وسائل النقل العام أو الدراجات الهوائية أو السيارات الكهربائية.

على مستوى المجتمع: تعزيز ثقافة الاستدامة
 التوعية والتثقيف: إطلاق حملات إعلامية وتثقيفية حول أهمية السلوك المستدام وتأثيره على البيئة.
 المبادرات المجتمعية: تشجيع الزراعة الحضرية، وإنشاء حدائق خضراء، وأيضا تعزيز ممارسات الاقتصاد الدائري.
 التعاون المحلي: دعم الأسواق المحلية، وتشجيع المشاريع البيئية والاجتماعية.

على مستوى المؤسسات: سياسات واستراتيجيات مستدامة
 التزام الشركات بالمسؤولية البيئية: تقليل البصمة الكربونية، وتبني ممارسات إنتاج مستدامة.
 تحفيز الابتكار البيئي: الاستثمار في البحث والتطوير لتقنيات مستدامة مثل الطاقة المتجددة وإدارة النفايات.
 تبني معايير الاستدامة: فرض سياسات تشجع المؤسسات على استخدام الموارد بشكل أكثر كفاءة وتقليل الانبعاث مع دعم الاقتصاد الأخضر.

ختاماً، إن السلوك المستدام ليس مجرد خيار فردي، بل هو مسؤولية جماعية تستدعي تحولا حقيقا في طريقة تفكيرنا وتصرفاتنا بدءا من الفرد ووصولا إلى الجماعة بمختلف إشكالها، بحيث يصبح الاستهلاك الواعي، والإنتاج المسؤول، والتخطيط طويل المدى جزءا لا يتجزأ من ثقافتنا، كما يستدعي أيضا تعاون الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني لضمان مستقبل بيئي آمن للأجيال القادمة. فكل قرار يومي نتخذه بشأن استهلاكنا للطعام، واستخدامنا للموارد، وإدارتنا للنفايات، يشكل فارقا حقيقيا في تحقيق الاستدامة الغذائية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق