تشكل المعضلة البيئية تحديا عالميا يتطلب تكاتف الجهود الأكاديمية والمجتمعية لمعالجتها من خلال مقاربات متعددة التخصصات. وفي هذا الإطار، نظمت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش الجامعة الربيعية في دورتها الثانية تحت عنوان: “المعضلة البيئية: القانون والاقتصاد والمجتمع“. وسلط هذا االحدث، الذي جمع باحثين وأكاديميين من مجالات متنوعة، الضوء على العلاقة بين البيئة والتنمية المستدامة من خلال مناقشات أكاديمية رفيعة المستوى.
افتتاحية الجامعة الربيعية: أهمية الموضوع وزواياه المتعددة
افتتحت الندوة بجلسة ترأسها الأستاذ إدريس لكريني، الذي أشاد بحسن اختيار عنوان الدورة، مشددا على أهمية مقاربة المعضلة البيئية من زوايا القانون والاقتصاد والمجتمع، كما تناول عميد الكلية، عبد الكريم الطالب، في كلمته الافتتاحية، أهمية تأثير سلوك المجتمع والتربية على البيئة، وأشاد بتنظيم الجامعة الربيعية التي تسعى لتقديم حلول مبتكرة للتحديات البيئية.
من جانبه، أكد نائب عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، محمد البوغالي، على أن المعضلة البيئية لا يمكن حلها إلا من خلال تضافر جهود مختلف التخصصات، مشيرا إلى أن مفهوم “المعضلة” يعكس تعقيد التحديات البيئية وصعوبة إيجاد حلول شاملة لها.
جلسات علمية تتناول البيئة من زوايا متعددة
تناولت الجلسة العلمية الأولى موضوعات تتعلق بالبيئة من منظور قانوني، اجتماعي، واقتصادي، حيث تضمنت المداخلات مناقشة دعوى التعويض عن الضرر البيئي في القانون المغربي، وتأثير التحولات المناخية على الأمن المائي، والتربية البيئية في المناهج الدراسية، كما استعرضت مداخلات أخرى التحول نحو الطاقة الخضراء وتأثيراته على التنمية المستدامة.
أما الجلسة الثانية، فقد ركزت على البعد الميداني من خلال دراسة تأثير تغير المناخ على الثروة السمكية وخيارات التكيف في المحيط الأطلسي، وشملت المناقشات أيضا دراسة حالة المناطق السقوية مثل تادلة، بالإضافة إلى آليات تدبير مخاطر الجفاف وتحقيق الأمن المائي، كما تمت مناقشة دور القانون الدولي البحري في حماية التنوع البيولوجي البحري.
التجارب المقارنة ودروس من دول أخرى
قدم باحث من التشاد في إطار انفتاح الندوة على دراسات مقارنة، مداخلة تناولت أثر العوامل السياسية والاقتصادية والهشاشة الأمنية على البيئة في منطقة الساحل والصحراء، وأكدت المداخلة على ضرورة اعتماد الاتفاقيات الدولية لتعزيز حماية البيئة وترتيب المسؤوليات عن الأضرار البيئية، بما يشمل تأسيس هيئة دولية مختصة بالحقوق البيئية.
مخرجات وتوصيات الندوة.
خلصت الندوة إلى توصيات مهمة تمحورت حول ضرورة تعزيز الوعي المحلي والوطني والدولي بأهمية الحفاظ على البيئة، مع إدماج التربية البيئية في المناهج الدراسية وبرامج الإعلام لنشر ثقافة الاستدامة، ودعم الاستثمار في مشاريع الاقتصاد الأخضر التي تحقق التوازن بين الإنتاجية وحماية الموارد. كما أكدت التوصيات على أهمية تقوية الأطر القانونية والمؤسساتية لمواجهة التغيرات المناخية، بالإضافة إلى ترشيد استخدام الموارد الطبيعية لضمان تحقيق الأمن الغذائي والمائي على المدى البعيد.
نحو مستقبل بيئي مستدام
أكدت الجامعة الربيعية في ختام أشغالها على ضرورة العمل الجماعي لمواجهة التحديات البيئية، معتبرة التغير المناخي تحديا بنيويا يستوجب تنسيق الجهود الوطنية والدولية، كما دعت إلى نشر ثقافة الوعي المدني وتفعيل دور المؤسسات السياسية والاجتماعية لتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة، وضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة.