لا يكفي في أي نظام سياسي سن نصوص وقواعد تشريعية تهدف إلى تنظيم وحماية قطاع معين من أجل بلوغ الأهداف والغايات المبتغاة منها، بل يتطلب الأمر إقرار مجموعة من التدابير والاجراءات التطبيقية، وخلق مجموعة من المؤسسات الملائمة القادرة على مواكبة تنزيل هذه الضمانات التشريعية على أرض الواقع، وذلك من خلال تمكينها من الخبرة والتكوين اللازمين، إلى جانب توفير الإمكانيات المادية واللوجيستيكية التي من شأنها أن تمكنها من الاطلاع بدورها كاملا في مراقبة تطبيق القانون بالشكل السليم الذي يؤدي إلى بلوغ الأهداف التي وجد من أجلها[1].
إضافة إلى وجود القوانين والأجهزة الإدارية والمخططات والبرامج فإن الأمر لا يكفي لضمان فعالية المعادلة البيئية التنموية، بل لا بد من عنصر أخر جد مهم، لا يمكن لأي سياسة تنموية الاستغناء عنه، ألا وهو عنصر الثقافة والتحسيس بأهمية التنمية وضرورة المحافظة على البيئة.
وفي إطار ذلك يمكن الحديث عن مجموعة من الحلول الممكنة للحد من أضرار البيئة، والعمل وفق التنمية المستدامة. كما أن التحدي الذي تطرحه عملية حماية البيئة، يمكن في كونها عملية متشعبة ترتبط في مختلف جوانبها، بأبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية، مما يقتضي أن يكون الإجراءات المعتمدة لمعالجتها مراعية لهذا التشعب وتستحضر كل الأبعاد المؤثرة في العملية ككل، من هنا تتعدد المقاربات وتنوع الأساليب المعتمدة للحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية.
وللثقافة الإيكوتنموية دور رائد في تحقيق الانسجام والتوازن الإيكوتنموي، وبناء على ما تم ذكره يمكن طرح السؤال التالي والمتجلي في ، ما هو مفهوم واليات الثقافة الإيكوتنموية، وانعكاسها على مسألة الانسجام و التوازن بين البعد التنموي والبيئي ؟.
هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال، الحديث عن مفهوم الثقافة الإيكوتنموية وأهدافها (المحور الاول) تم ننتقل للحديث عن تفعيل قنوات الثقافة الإيكوتنموية ( المحور الثاني).
المحور الأول: مفهوم الثقافية الإيكوتنموية وأهدافها
يعتبر مفهوم التربية في هذا الباب من المفاهيم الحديثة التي جاءت نتيجة فشل المقاربات الكلاسيكية في معالجة الأخطار التي تمس مختلف مكونات البيئة واعتماده كأسلوب جديد لمواجهة الأزمات البيئة العالمية، وقد ورد استعماله في مؤتمر ستوكهولم وتبليسي[2]. اللذين عرفا التربية البيئة بأنها “عملية تكوين القيم والاتجاهات والمهارات والمدركات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات المعقدة التي تربط الإنسان وحضارته لمحيطه الحيوي، وتوضح حتمية المحافظة على البيئة، وضرورة حسن استغلالها لصالح الإنسان حفاظا على حياته، ورفع مستويات معيشته” كما عرفتها وزارة التربية الوطنية في سوريا بأنها “منهج تروي لتكوين الوعي البيئي من خلال تزويد الفرد بالمعارف والمهارات والقيم والاتجاهات التي تنظم سلوكه وتمكنه من التفاعل مع بيئته الاجتماعية والطبيعية بما يسهم في حمايتها وحل مشكلاتها”. كما عرفتها جامعة اليوني الأمريكية بأنها “نمط من التربية يهدف إلى معرفة القيم وتوضيح المفاهيم وتنمية المهارات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات التي تربط بين الإنسان وثقافته وبيئته، كما تعني أيضا التمرس على اتخاذ القرارات ووضع قانون للسلوك“. كما عرفها القانون العام للولايات المتحدة الأمريكية بأنها “عملية تعلمية تعني بالعلاقات بين الإنسان والطبيعة وبذلك تكون التربية البيئية بمثابة استمارات للموارد البيئية يعطي مردود ديناميكيا في حياة الأفراد وتنمية المجتمعات”.
وتبعا لذلك، تعرف التربية البيئية بشكل عام بأنها عملية تهدف إلى توعية مختلف مكونات المجتمع وتقوية الاهتمام بها والمشكلات المتصلة بها، وتزويدهم بالمعلومات والحوافز والمهارات التي تؤهلهم أفراد أو جماعات للعمل على حل مشكلات البيئة والحيلولة دون ظهور مشكلات جديدة[3].
وفيما يخص أهداف التربية البيئية، فإنها لا تهدف إلى تحقيق هدف واحد، أو تخص عملا محددا، فهي من أكثر الميادين اتساعا لأنها تشمل معظم المجالات المعرفية، وتعكس قدرتها على تكوين الاتجاهات البناءة والجهود الفاعلة، بإشراق قطاعات المجتمع المختلفة لتحقيق الإنماء الوطني، وتبعا لذلك فإن سياسة التربية البيئية لن تتحقق إلا بالملائمة بين الوسائل والأدوات الضرورية وبين الأنظمة التخطيطية الشاملة للتربية والقطاعات المجتمعية الأخرى[4].
المحور التاني: تفعيل قنوات الثقافة الإيكوتنموية
تعتمد الثقافة والتربية الإيكوتنموية على قنوات متعددة سنقوم بالتطرق إليها وفق الشكل التالي:
- المــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدرسة:
تأتي أهمية المدرسة في كونها تربي جيلا للغد جيل قد يحمل المشعل نحو التغيير السليم أو العكس، خاصة وأن الطفل يرتبط بمدرسته أكثر من ارتباطه بأسرته، وقد بدأ في السنوات الأخيرة تمظهر الوعي الفعلي بهذه الحقيقة في تطرق الكتب المدرسية في بعض المواد والمستويات إلى مواضيع البيئة بشكل مباشر، ولكن سيتم تتويج ذلك بإقرار التربية البيئية بشكل مباشر كمادة قائمة بذاتها في البرامج التعلمية لمختلف المستويات.
هنا لا يجب إغفال الأنشطة الموازية ورحلات ونره ترفيهه، وكذا الاحتفالات الوطنية والدولية هذه المناسبات فضاء للاستفادة من التفتح الذهني لدى الطفل وطاقته الإبداعية في عملية حماية البيئة[5].
- وســــــــــائل الإعــــــــــــــــــــــلام:
إن مهمة وسائل الإعلام في المجال التربوي مهمة كبيرة في المجتمع إذا أرادات أن تؤدي واجبها كوسائل للإرشاد والتوجيه لا وسائل للدعاية. لهذا يجب استعمال كل الوسائل الإعلامية والتكوين.،”الراديو التلفزة والمواد المستديرة برامج تحسيسية وتكوينية”، خاصة للأطفال[6].
فوسائل الإعلام تعتبر أهم وسائل التربية، لما لها من تأثير على تغيير المواقف وتكوين القناعات إذا سخرت في الاتجاه الصحيح، خاصة لما أصبح لها من دور في العصر الراهن.
ويبقى الاعلام من بين المواضيع السوسيوثقافية لدى الجمهور وبهذا يجب الانشغال على المواضيع المتعلقة بالبيئة وحمايتها وتوعية كل المواطنين قبل نشر الكوارث التي تتعرض لها البيئة[7].
- الــــــــــــــــجمعـــــيات:
لا أحد ينكر أهمية الجمعيات المدنية لمختلف أنواعها، في خدمة التنمية البشرية المستدامة فهي التي تقوم بتأطير الأفراد تأطيرا مهاريا أو سلوكيا أو علميا، وتوعيتهم توعية دينية وأخلاقية وسياسية ووطنية وقومية وإيكولوجية، وتغيير سلوكهم تغييرا إيجابيا وتكوينهم تكوينا تخصصيا نوعيا، أو تكوينا شاملا وموسوعيا، بل تقوم هذه الجمعيات بدور تثقيفي وتنموي وتوعوي لافت للنظر، في شكل مبادرات فردية أو جماعية.
كما تسهم هذه الجمعيات في تحقيق الأمن والاستقرار والطمأنينة في البلاد، لما تقوم به من مهام علاجية نفسية واجتماعية وإرشادية بغية توجيه الأطفال والشباب أو البالغين نحو المواطنة الصالحة[8]. وقد تكون هذه الجمعيات البيئية مدعمة أو غير مدعمة لكن هدفها الوحيد هو توعية المواطن، وتكوينه مهاريا مفيدا، وتأطيره سياسيا واجتماعيا وثقافيا وعقديا، وتوجيه وجهة حسنة. وينبغي على الجمعيات المدنية أن تهتم بالبيئة في إطار سياسة التنمية المستدامة بالعناية بالطبيعة، والحفاظ على الرأسمال البيئي، وترشيد الناس إلى كيفية التعامل مع الموارد التي يمتلكها المجتمع، والسعي الحديث نحو الحد من التلوث الهوائي والمائي، والبري، وتنظيف الأنهار والبحار والمحيطات، وجمع النفايات الصلبة بالبحث عن مظاهر صالحة لحرقها، والتخلص منها بطريقة بيئية مثلى، وتوعية المواطنين بأهمية العناية بالبيئة في البوادي والمدن[9].
خاتمة :
عطفا على ما سبق يمكن القول، أن حكامة البعد التنموي والبيئي، أصبحت أحد المواضيع الرئيسية في التنمية المستدامة سواء على مستوى الدولي والوطني،مما يدل على تبني مقاربة شمولية لفهم جميع إشكالات التنمية ، وإعطاء أهمية للجانب البيئي نظرا لأهميته وتفاديا لخطورة الإضرار به، لأن المشاكل البيئية تتزايد مع ظاهرة التلوث واستمرار التدهور الموارد الطبيعية بتزايد النمو الديمغرافي والتطور العمراني والتقدم الاقتصادي في الميادين الصناعية والسياحية والفلاحية والبنيات التحتية، وأمام هذه الاعتبارات فإن الأمر يتطلب إصلاح إدارة البيئة وتحيين النصوص القانونية والتنظيمية ووضع ترسانة قانونية وتشريعية مكتفية مع الوضع البيئي .
وهكذا،لا يمكن للمجتمع أن يسهم في خلق تنميته المستديمة إلا بالتوعية والنضال والكفاح الايكولوجي المستميث لكي تتبوأ البيئة مكانتها السامية،ضمن الخطط التنموية الاستراتيجية التي تضعها الحكومات ضمن أولوياتها التنفيذية،دون أن ننسى الدور المهم الذي يقوم به المجتمع المدني في تدبير القضايا الايكولوجية في علاقتها بالتنمية، وفق سياسية بيئية حكيمة ورشيدة وهادفة وبناءة، مع تمثل سياسة بيئية ناجحة، ضمن ما يسمى بالحكامة الايكولوجية الجيدة.
____________________
[1] عبد الرحيم استيدو: “دور الشرط الإداري الترابية في حماية البيئة” المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 136، شتنبر – أكتوبر 2017 ص 163.
[2] لقد اكتسبت التربية أهمية خاصة مند السبعينات من القرن العشرين نتيجة حدوت وعي بيئي بالمشكلات البيئية الكبرى التي بدأت تؤثر بعمق في نوعية الحياة البشرية، وتهدد مستقبل الأجيال، إذ انطلقت التربية البيئية من اعتراف مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية، الذي عقد في ستوكهو لم بالسويد عام 1972، بدور التربية كركن من أركان المحافظة على البيئة، حيث أصدر المؤتمر التوصية 96التي دعت اليونسكو خاصة، ووكالات الأمم المتحدة الأخرى، إلى اتخاذ التدابير اللازمة لبرنامج جامع لعدة علمية للتربية البيئية في المدرسة وخارجها، من حيث الاهتمام بالبيئة وحمايتها.
[3] اسماعيل صفاحي: “دور التربية البيئية في حماية البيئية” المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 86 ماي- يونيو 2009- ص 184.
[4] إن السلوك الإنساني ينبغي أن يكون أكثر انضباطا في علاقته بالبيئة، وأن هذا السلوك يكون على النحو المرغوب فيه ما لم تأخذ التربية البيئية مكانة الريادة بين العلوم والمعارف، مما يجعل المؤسسة التربوية قادرة على ترسيخ القيم والاتجاهات البيئية الصحيحة في النفوس الناشئة.
– أورده إسماعيل صفاحي: مرجع سابق- ص 185.
[5] حسنة كجي: “الجماعات الترابية وتدبير البيئة بين إمكانيات الحماية وعوائق التطبيق”، مجلة مسالك ، العدد 47-48ص 179.
[6] – Séminaire National sur L’urbanisme، l’Aménagement de territoire l’environnement- Rapports de synthèse Mai 1989 Imprimerie Papeterie – Rabat- P 80.
– أوردته حسنة كحي: مرجع سابق، ص 179.
[7] عبد العزيز مرزاق : اتلحكامة البيئية وتنمية الاستثمارات بالمعرب “، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ، كلية الحقوق بسطات 2017،ص233
[8] خالد هيدان : “الجهة واشكالية الموازنة بين البعد التنموي والبيئي بالمغرب – دراسة تحليلة على ضوء القانون التنظيمي رقم 111/14
[9] جميل حمداوي: “التنمية والبيئة: أي علاقة؟ مقاربة سوسيولوجية نسقية”، منشورات مجلة العلوم القانونية، مطبعة الأمنية ، الطبعة الأولى 2018، ص 121.