لم يكن أحد يتوقع أن تكشف الحفريات عن قرية عمرها أكثر من 4400 سنة، مستقرة بسكانها ومعمارها وزراعتها، وسط تصورات سابقة بأن مجتمعات المنطقة كانت بدوية متنقلة.
تم اكتشاف أقدم قرية في المغرب، تعود إلى العصر النحاسي والبرونزي، وتحمل إسم كاش كوش، بالقرب من مدينة تطوان في وادي لاو، تقع فوق نتوء صخري يطل على الحوض السفلي للوادي.
يتجاوز عمر القرية 4400 سنة؛ وأسفرت الحفريات عن تحديد ثلاث مراحل من الاستيطان البشري فيها. ومن المنتظر أن يحدث هذا الاكتشاف ثورة في المعرفة العلمية المتعلقة بتاريخ المغرب وشمال إفريقيا.
كما أكد الأستاذ يوسف بوكبوط، المشرف على فريق البحث المغربي وأستاذ بالمعهد الوطني للعلوم والتراث بالرباط، أن أهمية هذا الاكتشاف تكمن في تصحيحه للتصورات السابقة حول الاستيطان في شمال إفريقيا؛ فبينما ركزت الاكتشافات السابقة على القبور، تم العثور هذه المرة على قرية متكاملة تعود إلى العصور النحاسية والبرونزية والحديدية.
واجهت الفريق العلمي تحديات منهجية في تحديد طبيعة الاستيطان داخل القرية، حيث امتدت الأبحاث لما يقارب 40 سنة منذ سنة 1986. وبعد فترة من الإهمال، أعيد إحياء البحث بفضل أطروحة طالب أشرف عليه الأستاذ بوكبوط. ومن خلال التحليل والتوثيق، تم تحديد ثلاثة مستويات سكانية في الموقع:
• المستوى الأول يعود إلى الفترة ما بين 1200 و1800 قبل الميلاد، وينتمي إلى العصر النحاسي.
• المستوى الثاني يمتد بين 1800 و900 قبل الميلاد، ويمثل العصر البرونزي.
• المستوى الثالث يعود إلى ما بعد 800 قبل الميلاد، وينتمي إلى العصر الحديدي.
وأشار بوكبوط، إلى كون الموقع يحمل اسمين؛ الأول هو الأصلي ظهر المودن، بينما أطلق السكان المحليون الاسم الثاني كاش كوش، بسبب العثور على قطع فخارية مكسورة في المنطقة.
برهن هذا الاكتشاف على أن المجتمعات التي سكنت هذه المناطق لم تكن بدوية، بل استقرت وامتلكت معارف متقدمة في البناء، والزراعة، وتربية المواشي، والتفاعل مع البحر، خلافا لما كان متوقعا.
شدد الباحث بوكبوط على أن هذه النتائج تشكل نقطة تحول مهمة في دراسة تاريخ المغرب وشمال إفريقيا، إذ تدحض بعض الفرضيات السابقة التي قللت من مستوى تطور هذه المجتمعات القديمة.