بين أغصان الغواناندي العتيقة في غابات الأطلسي الساحلية، يخوض ببغاء الأمازون أحمر الذيل Amazona brasiliensis، معركة صامتة ضد الانقراض. من الأعشاش المخبأة إلى جهود السكان المحليين، تتكشّف قصة بيئية مدهشة، تمزج بين العلم، والإبداع، والتضامن البشري. كيف تحوّلت جزيرة نائية إلى نموذج عالمي في حماية التنوع البيولوجي؟ هذه تفاصيل مشروع، غير مسبوق، أنقذ طائرا وكاد أن يعيد الحياة لغابة بأكملها.
ساهمت جهود بيئية مشتركة في إنقاذ ببغاء الأمازون أحمر الذيل من شفا الانقراض، وهو طائر نادر لا يعيش إلا في بقايا غابات الأطلسي الساحلية بالبرازيل، وتحديدا في جزيرة راسا بخليج باراناغوا. بعد عقود من التراجع العددي بسبب الصيد غير المشروع وفقدان الموائل، أطلقت منظمات محلية، على رأسها جمعية البحث البيئي والتعليم (SPVS)، مشروعا بيئيا طموحا لحماية هذا النوع وإعادة تأهيل موطنه الطبيعي.
تعكس هذه المبادرة مثالا بارزا على أهمية تضافر الجهود العلمية والمجتمعية من أجل حماية التنوع البيولوجي، في وقت تزداد فيه التهديدات التي تواجه النظم البيئية الهشة حول العالم.
تتبّع الباحثون حسب مقال منشور بجريدة مونغاباي حياة الببغاء في أدق تفاصيلها، حيث صعدوا إلى الأعشاش المخبأة بين أغصان أشجار الغواناندي، وأخذوا الفراخ الصغيرة لإجراء فحوص صحية دقيقة قبل أن يعيدوها إلى أعشاشها وقد زودت بأساور تعريفية لتتبعها لاحقا. ورغم الصدمة التي يتعرض لها الطائر في هذه اللحظة، فإن هذا الإجراء الضروري ساعد العلماء على فهم دورة حياة الطائر ومراقبة صحته وحركته، مما شكل قاعدة بيانات حيوية لحمايته على المدى الطويل.
واجهت الطيور تحديات جسيمة بفعل تدهور موائلها الطبيعية، فقد كانت أشجار الغواناندي، التي تعد الموطن المفضل للتعشيش، ضحية للاستغلال الجائر منذ عهد الاستعمار، حيث استخدمت أخشابها في بناء السفن والمباني. ومع تقلص أعداد هذه الأشجار، تقلصت الأماكن المناسبة للتعشيش، مما أثر مباشرة على تكاثر الببغاء.
إنقاذ ببغاء الأمازون
كما استجابت SPVS لهذا الخطر بابتكار حل غير تقليدي،”الأعشاش الاصطناعية”. فمنذ عام 2003، ركّب الفريق أول 15 عشا خشبيا في أماكن استراتيجية بجزيرة راسا. حيث كانت النتيجة مذهلة مما جعل الطيور تستخدمتها على الفور. وهذا النجاح دفع بالمشروع إلى التوسع، وذلك بدعم من مؤسسة “لوروبارك”، ليشمل أكثر من 100 عش مصنوع من الخشب ومواد مقاومة مثل PVC والبولي إيثيلين، مما وفر ملاذا آمنا للبيض والفراخ.
استطاعت المبادرة كذلك، رفع أعداد الطيور بشكل ملحوظ، والذي انتقل من 5000 طائر تقريبا في نهاية القرن العشرين، إلى حوالي 9000 بحلول سنة 2024.
رغم هذا النجاح، لم تكن الطريق خالية من العقبات، حيث تسببت حركة السياحة الصاخبة على جزيرة بينهيرو، التي كانت تضم أحد أكبر تجمعات الببغاء، في انخفاض أعداد الطيور من 2500 إلى 450 فقط خلال سنوات قليلة. كما استغل بعض المهربين فكرة الأعشاش الاصطناعية لتقليدها وسرقة الفراخ، الأمر الذي استدعى تركيب كاميرات مراقبة وتشديد الحراسة.
من صيادين إلى حماة البيئة
ولعب السكان المحليون دورا محوريا في نجاح المشروع، حيث تحوّل صيادون سابقون إلى حماة للطبيعة، مثل أنطونيو الذي كان يصطاد الببغاء في الماضي، ثم أصبح من أوائل من ساهموا في صنع الأعشاش الاصطناعية. حتى من كانوا يشككون في نوايا الباحثين، مثل “نينينيو”، غيروا مواقفهم بمرور الوقت، خصوصا بعد إدراكهم لفوائد المشروع على النظام البيئي المحلي وعلى سمعة الجزيرة.
كما عززت SPVS جهودها بإطلاق مشاريع إعادة تشجير واسع.، الشيء الذي أدى إلى استعادت آلاف الهكتارات من الأراضي التي كانت مخصصة سابقا لتربية الجاموس، وأعادت زراعتها بأشجار الغابة الأصلية، وفي مقدمتها الغواناندي. وبتفاعل جميل، ساعدت طيور الأمازون في نشر بذور هذه الأشجار خلال تنقلها، لتصبح الببغاوات نفسها فاعلة في إعادة بناء موطنها.
لكن التحديات ما تزال قائمة، وفي هذا الصدد عبّر شرطي البيئة “روبينز”، حسب ما جاء في جريدة “مونغاباي”، عن مخاوفه من أن تتراجع المكاسب المحققة إذا انسحبت SPVS من المشروع، مؤكدا أن بعض الجهات قد تستغل الفراغ للعودة إلى الاتجار غير المشروع. لذا تبرز هذه المبادرة الحاجة إلى استدامة الدعم المؤسسي والتشريعي على المدى البعيد.
تقدم تجربة ببغاء الأمازون، أحمر الذيل، نموذجا ناجحا لتكامل البحث العلمي، والحلول الميدانية، والمشاركة المجتمعية في حماية الأنواع المهددة. كما تذكرنا بأن المحافظة على نوع واحد لا تعني فقط إنقاذ طائر من الانقراض، بل تعني استعادة التوازن البيئي، وحماية الغابات، وتوفير مستقبل أكثر استقرارا للنظم الطبيعية بأكملها.