تكونت سلسلة جبال “سانجري دي كريستو” عبر ملايين السنين على سهول وادي سانت لويس بجنوب ولاية كولورادو الأمريكية، وتستمر إلى اليوم في تسجيل هزات أرضية بفعل وجود فالق زلزالي نشط في المنطقة، و تشير دراسة حديثة إلى دور ذوبان الأنهار الجليدية منذ آلاف السنين في زيادة وتيرة الزلازل نتيجة تخفيف الضغوط على الصدع الزلزالي.
وتربط الدراسة التي نشرت في دورية “Geology” بين تغير المناخ وتأثيره المحتمل على حركة الفوالق الزلزالية، وهو افتراض جديد يتحدى السائد في علم الجيولوجيا الذي لا يرى صلة مباشرة بين تغير المناخ والأنشطة الزلزالية.
ويحذر الباحثون من أن استمرار ارتفاع حرارة الأرض وذوبان مزيد من الأنهار الجليدية قد يؤدي إلى أنشطة زلزالية متزايدة، مثلما يحدث في جنوب كولورادو.
وأوضح شون جالين، الباحث الجيولوجي من جامعة ولاية كولورادو، أن المناطق التي تشهد ذوبان الأنهار الجليدية أو تغيرات في الدورات المائية فوق الفوالق النشطة، قد تواجه تسارعا في الأنشطة الزلزالية. مبرزا أن الظاهرة تتشابه مع تأثير عمليات “استعادة التوازن” (Isostatic Rebound) التي تحدث عند زوال الأوزان الثقيلة عن القشرة الأرضية، مما يؤدي إلى تغييرات في النشاط الزلزالي، مثلما تشهد سلسلة جبال أبالاشيا شرقي الولايات المتحدة.
وبدأت سلسلة جبال سانجري دي كريستو بالتشكل قبل 25 إلى 28 مليون سنة عندما انقسمت قشرة الأرض في المنطقة الغربية من قارة أمريكا الشمالية، مما أدى إلى تشكل صدع “ريو جراندي“، حيث استمر حوض سانت لويس في الانخفاض وارتفعت الكتل الجبلية، حتى أصبحت المسافة الرأسية بين أعلى نقطة وأدنى نقطة 9.2 كيلومتر. ومع انخفاض حرارة الأرض منذ حوالي 6.2 مليون سنة، تشكلت الأنهار الجليدية، وبلغت ذروتها قبل 20 ألف سنة، لتترك وراءها وديانا مليئة بالركام الجليدي.
وأكدت الدراسة أن ذوبان الأنهار الجليدية قد يكسر منظومة الفوالق الزلزالية، مما يزيد من تواتر الزلازل. وتدعم الأدلة الميدانية هذه الفرضية، مثلما حدث في فالق “وايومينج تيتون”، حيث ارتفعت وتيرة النشاط الزلزالي مع ذوبان الجليد في جبال يلوستون.
واعتبرت جيسيكا جوب، خبيرة الزلازل في المؤسسة الأمريكية للدراسات الجيولوجية، أن هذه الظاهرة قد تكون أكثر انتشارا مما يعتقد، مشيرة إلى أن جبال يلوستون تقدم بيانات غنية لدراسة العلاقة بين المناخ والهزات الأرضية.
واعتمد فريق جالين على نموذج حوسبي يحاكي سمات جبال سانجري دي كريستو، بما في ذلك الوديان الجليدية والفوالق النشطة.
واستخدم الباحثون صور الأقمار الصناعية لرسم خرائط واضحة للتغيرات الجيولوجية، مما أتاح مقارنة النتائج النظرية مع الواقع.
وخلصت نتائج الدراسة إلى أن وجود الأنهار الجليدية كان “يكبل” الفوالق الزلزالية، ومع ذوبانها قبل 20 ألف سنة، زادت الزلازل في المنطقة بمقدار خمسة أمثال.
ويرى جالين أن الأدلة العلمية التي جمعها فريقه تؤكد وجود صلة مباشرة بين تغير المناخ والأنشطة الزلزالية، معتبرا أن هذه النتائج توفر رؤية جديدة حول تأثيرات الاحترار العالمي.