يستمر التراجع في التنوع البيولوجي، سنة بعد سنة، بلا هوادة: فخلال 50 سنة فقط، انخفض متوسط حجم أعداد الحيوانات الفقرية البرية بنسبة 73%. ويحذر الصندوق العالمي للطبيعة من هذا الانخفاض المثير للقلق، والذي يقربنا بشكل خطير من نقاط التحول البيئي* التي سيكون لها آثار مدمرة على الإنسان والطبيعة في جميع أنحاء العالم. لهذا السبب، فعشية انعقاد مؤتمر الأطراف السادس عشر، وفي وقت يشهد انتكاسات بيئية مقلقة، يحث الصندوق العالمي للطبيعة الحكومات على اتخاذ التدابير اللازمة من أجل بقائنا وبقاء كوكبنا.
وتظهر النسخة الجديدة لتقرير الكوكب الحي 2024 الذي أعده الصندوق العالمي للطبيعة بتعاون مع جمعية زولجيكال سوسايتي أوف لندن، في أكتوبر الجاري، أن 73% من أعداد الفقريات البرية قد انخفضت منذ 1970. وكان الانخفاض الأشد حدة في تجمعات المياه العذبة (-85%)، وهو ما يعكس الضغط المتزايد على موائل المياه العذبة.
و يضيف التقرير أن الأنشطة البشرية هي المسؤولة عن انهيار التنوع البيولوجي، ويرجع ذلك أساسا إلى فقدان الموائل الطبيعية بسبب الزراعة غير المستدامة وقطع الأشجار والنقل. كما يمكن أن يصبح تغير المناخ -قريبا- هو التهديد الرئيسي: فارتفاع درجات الحرارة يؤدي بالفعل إلى نفوق جماعي وانقراض لأنواع كثيرة من الفقريات. كما أن هناك عوامل أخرى مثل الاستغلال المفرط والأنواع الغازية** والتلوث لها تأثير مدمر على الطبيعة.
وفي هذه السنة، ينبهنا الصندوق العالمي للطبيعة أيضا إلى نقاط التحول: فكلما سحبنا الحبل، نقترب أكثر فأكثر من هذه العتبات التي لا رجعة فيها. فكل نقطة تحول نعبرها تهدد باستحالة العودة إلى الوراء. وإذا واصلنا السير على هذا الطريق، يمكن أن تتحول غابات الأمازون إلى سافانا قاحلة، مما يحرم العالم من رئته الخضراء. كما يمكن أن تختفي الشعاب المرجانية، التي تعتبر ضرورية لحماية السواحل وبقاء الملايين من البشر، في العقود القليلة المقبلة تحت التأثير المشترك لارتفاع درجة حرارة المحيطات والتلوث.
و تحذر فيرونيك أندريو، المديرة العامة للصندوق العالمي للطبيعة في فرنسا قائلة: “ كل سنتين، يلعب تقرير الكوكب الحي الذي يصدره الصندوق العالمي للطبيعة دور الرقيب على انهيار الطبيعة. ومع ذلك، ففي الوقت الذي أصبح فيه من الضروري، أكثر من أي وقت مضى، إحداث تغيير جذري في نموذج الإنتاج والاستهلاك لدينا، نشاهد التقدم المحرز في أوروبا وفرنسا. وفي الوقت الذي يجب أن تعكس فيه الاعتمادات المالية المرصودة خيارات شجاعة، على الرغم من مقترحات الصندوق العالمي للطبيعة لوقف الدعم الذي يضر بالطبيعة وتشجيع البدائل القابلة للتطبيق، تصر الدولة على الإنفاق وفرض الضرائب بشكل سيء. يبدو الأمر كما لو أنك، عندما تواجه حريقا، تختار إلقاء الزيت بدلا من الماء. لم يحن الوقت الآن لأنصاف الحلول: يجب أن نتخذ إجراءات ضخمة وفورية لحماية ما يزال من الممكن حمايته واستعادة ما تضرر بالفعل”.
سيجتمع قادة العالم، في غضون 10 أيام، في المؤتمر السادس عشر للأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي؛ ويدعو الصندوق العالمي للطبيعة الحكومات إلى اغتنام هذه الفرصة لتسريع تنفيذ الاتفاقية العالمية للتنوع البيولوجي، واتخاذ تدابير ملموسة، بما في ذلك وقف الإعانات التي تضر بالطبيعة وتكثيف الجهود المالية، للوفاء بالوعد بالمساعدات الدولية التي تم التعهد بها في مونتريال.
إن فرنسا ليست بمنأى عن انهيار التنوع البيولوجي. بل إنها تتحمل مسؤولية خاصة بحكم موقعها الجغرافي وتنوع بيئاتها الطبيعية (10% من الشعاب المرجانية في العالم). ويواصل الصندوق العالمي للطبيعة في فرنسا العمل على أرض الواقع ويقترح حلولا ملموسة للمشاكل الأكثر إلحاحا و التي تهدد الطبيعة في فرنسا:
– من خلال الدعوة إلى التحول الطموح نحو الزراعة الإيكولوجية، والزراعة التي تستخدم كميات أقل من المياه والحد من استخدام المبيدات الحشرية التي لها تأثير مباشر على الحشرات والطيور الملقحة؛
– من خلال مكافحة الإفراط في البنايات الخرسانية، التي تشكل السبب الرئيسي لتراجع التنوع البيولوجي.
ويحتوي تقرير الكوكب الحي 2024 أيضا على نسخة خاصة بالأطفال؛ و هي نسخة مختصرة، تم تكييفها لجمهور الناشئين لمشاركة الأساسيات حول حالة التنوع البيولوجي للكوكب.
____________
*نقاط التحول في النظام المناخي هي نقاط اللاعودة، أي العتبة التي يمكن أن تؤدي إلى تغييرات كبيرة في حال تجاوزها.
**تسمى أيضا الأنواع الغريبة الغازية (IAS)، وهي أنواع من الأحياء النباتية أو الحيوانية التي يتم وضعها خارج موئلها الطبيعي، و تتسم بانتشارها و تكاثرها المفرط.