بناءً على بيانات موثوقة يقطن 6.3 في المئة من سكان العالم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، انما نسبة أهم مصدر طبيعي متجدد وهو المياه السطحية العذبة، فلا تتجاوز 1.4 في المئة، أي ان هناك فجوة كبيرة بين كمية المياه وبين الكتلة البشرية، مما يشكل ضغطاً هائلاً على المصادر المائية. وبما ان الماء المصدر الأساسي والجوهري لجميع المصادر الطبيعية المتجددة الاخرى بما في ذلك الغطاء النباتي والتربة، فإن الفجوة الموجودة تعرّض المنطقة الى المزيد من آثار تغير المناخ.
على الرغم من ان التقييمات العالمية تصنف منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من بين المناطق الأكثر هشاشة أمام آثار تغير المناخ في العالم، الا ان البلدان في هذا الاقليم تفتقد لليوم الى تشريعات للتكيف مع آثار تغير المناخ وتقليل الأضرار الناجمة عنه على النظم البشرية والبيئية. ومن شأن هذا “الكسل السياسي” في الاستجابة للأزمة المناخية من جهة القوانين ان يفاقم حدة التأثيرات على جميع القطاعات الاقتصادية، الزراعية، الصحية والخدمية العامة.
أقرّت اتفاقية باريس للأمم المتحدة بشأن المناخ عام 2015 بأن تغير المناخ هو، “حالة طوارئ عالمية تتجاوز الحدود الوطنية”. انها تتطلب بحسب بنود الاتفاقية المذكورة “حلولاً منسقة على جميع المستويات وتعاوناً دولياً لمساعدة الدول على التحرك نحو اقتصاد منخفض الكربون”. وتتضمن الاتفاقية خطة عمل مناخية وطنية محدثة بعنوان (المساهمة المحددة وطنياً) حيث تقوم البلدان بناءً عليها بالإبلاغ عن الإجراءات التي ستتخذها لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مثل بناء المرونة للتكيف مع تأثيرات ارتفاع درجات الحرارة.
بشكل عام تتوزع خطط غالبية الدول العربية لمكافحة أزمة المناخ والآثار الناجمة عنه بين الالتزام بالاتفاقية الاطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ وقوانين وطنية متعلقة بحماية وتحسين البيئة يعود اصدار نصوص بعضها الى عقود مضت. وفيما تبدو هذه القوانين الوطنية البيئية قديمة في الغالب ولا تستجيب للتطورات السريعة التي تشهدها المنطقة من ظواهر مناخية متطرفة، بقي الالتزام بالاتفاقية الاطارية للأمم المتحدة ضمن المصادقة على نصوص الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات بشأن المناخ دون ان يؤدي الى اصدار قوانين وطنية من ناحية التخفيف والتكيف وكذلك المرونة، في وقت تزداد حدة الظواهر المناخية القاسية.
في المغرب على سبيل المثال، وعلى الرغم من دخول البلاد عامه السادس من الجفاف جراء تراجع الهطول المطري وتمدد آثار الجفاف على الواقع الزراعي والاقتصادي، اكتفت الحكومة بقرارات عامة على ضوء مقررات مؤتمرات الأطراف COPs وسياسات جهوية أو مناطقية دون تشريعات جديدة تساعد المجتمعات المتضررة على تجاوز الأزمة وتخفيف آثارها الاقتصادية والزراعية. وعلى الرغم من قانون حماية واستصلاح البيئية المغربي يتقدم على الكثير من القوانين المشابهة في البلدان العربية، انما هو قديم نوعاً ما حيث يعود تاريخ إصداره الى 2003، ولا يستجيب للآثار المترتبة عن الأزمة المناخية التي تمر بها المملكة. يضاف الى ذلك ان القانون بيئي وليس مناخي، أي انه يفتقر الى معالجة الآثار التي تتركها الأزمة المناخية على النظم الطبيعية والبشرية، بما في ذلك الزراعة التي تعد القطاع الأهم في الاقتصاد المغربي.
وفي العراق يعود اصدار قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة الى عام 2009 ولم يتم تجديدها بما يتلاءم مع واقع العراق المناخي الذي يشهد ارتفاعاً حاداً في درجات الحرارة وعواصف غبارية متواترة، ناهيك بنقص المياه والطاقة. وما يثير الانتباه هو انه لم يتم ذكر المناخ في هذا القانون، مما يجعله قديماً وغير فعّال في مواجهة عواقب تغير المناخ. بناءً على معلومات استقاها كاتب هذا المقال من خلال مقابلات أجراها مع أعضاء في مجلس النواب في ثلاث دورات متتالية منذ عام 2012، لم يتم اصدار أية تشريعات جديدة في العراق بشأن تغير المناخ وآثاره على النظم البيئة والبشرية في البلاد. ويعود سبب ذلك بحسب أعضاء مجلس النواب السابقين والحاليين الذين تحدث إليهم الكاتب، الى ان المؤسسة التشريعية في العراق لم تول الاهتمام بأزمة المناخ على الرغم من العراق يصنف من بين البلدان المتأثرة جداً بعواقب تغير المناخ. يذكر ان هناك لجنة (الصحة والبيئة) في مجلس النواب، يقتصر عملها على قضايا يومية وليس الاستخطاط المستقبلي ورسم السياسات البيئية. وينطبق الأمر ذاته على قانون حماية وتحسين البيئة في حكومة إقليم كُردستان اذ لا تربطه صلة بالتغيرات الكبيرة التي حصلت في النظم البيئية في العقدين الأخيرين.
تبدو جارة العراق الغربية، الأردن، الأفضل حالاً من جهة تحديث السياسات وموائمتها مع تسارع وتيرة تغير المناخ. وعلى الرغم من عدم اصدار تشريعات مناخية، تتبنى الأردن ورقة مناخية تحت عنوان (السياسة الوطنية للتغير المناخي في المملكة الهامشية 2022-2050). وتتلخص محاور هذه الورقة التي يعود تاريخ اعتمادها الى عام 2013 وتم تحديثها عام 2022، على الرؤية السياسية (الأهداف والمبادئ)، التكيف والتخطيط (السياسات والإجراءات)، عوامل التمكين، المشاكل الطارئة والمتابعة والتقييم.
لا تختلف الأوضاع في البلدان العربية الأخرى عما هي عليه الأحوال من ناحية غياب التشريعات القانونية في البلدان المذكورة. ففي كل بلد تم اعتماد خطط وطنية لمكافحة تغير المناخ، انما دون قوانين وتشريعات تستند اليها سياسات التخفيف والتكيف مع المناخ المتغير والتخطيط في مواجهة آثاره على سبل العيش والصحة والاقتصاد والنظم البيئية. في تونس على سبيل المثال تتشكل معظم التشريعات الوطنية من خلال الاتفاقات والمعاهدات والبروتوكولات المعنية بالتغير المناخي المصادق عليها من قبل الحكومة التونسية. في مقال بعنوان (التغير المناخي: الإطار التشريعي) تشير الكاتبة التونسية نجيبة زاير، الى ان الآليات التشريعية لـ “الانخراط بالإطار التشريعي الدولي بانعكاس المبادئ العامة المتضمنة بالنصوص الدولية بالتشريع الوطني” محدودة، فيما تبقى استراتيجية التأقلم مع التغير المناخي طموحة ظاهرياً ومنقوصة على الأرض واقعياً.
بناءً على دراسات مناخية ان درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط ترتفع بسرعة تعادل ضعف سرعة بقية مناطق العالم، الأمر الذي يقتضي جهود مضاعفة في مكافحة العواقب المتمثلة بتراجع الأمطار الموسمية، استنفاذ المياه الجوفية، فقدان الغطاء النباتي والتنوع البيولوجي.
كان يبدو الوصول إلى 1.5 درجة مئوية في درجات حرارة الكوكب – وهو الحد المتفق عليه بموجب اتفاق باريس – وكأنه واقع بعيد المنال، انما قد يكون أقرب مما كنا نعتقد بحسب وكالة الاتحاد الأوروبي للفضاء (كوبرنيكوس). ويشير الخبراء في الوكالة إلى أنه من المحتمل أن يحدث ذلك بين عام 2030 وأوائل خمسينيات القرن الحالي. أي ان الكوكب خلافاً للتوقعات المناخية السابقة يقترب من هذا المستوى، الأمر الذي يزيد من العواقب على المناطق الهشة، في مقدمتها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتستوجب هذه التوقعات التي تستند الى بيانات علمية غير مشكوك في مصداقيتها، جهود أكبر من جهة التشريعات والقوانين في مواجهة العواقب وتقليل الآثار التي ستنجم عن أزمة المناخ على النظم البشرية والبيئية.
ويمكن التطرق في هذا السياق الى دخول قانون جديد للتكيف مع تغير المناخ حيز التنفيذ في ألمانيا اعتباراً من الأول من تموز/يوليو هذا العام (2024). ويتمثل القانون الجديد الذي أعلنت عنه وزيرة البيئة الألمانية شتيفه ليمكه بمساعدة السكان في القرى والمدن على الاستعداد بشكل أفضل لعواقب أزمة المناخ واتخاذ الاحتياطات اللازمة في مواجهة المخاطر مثل إنشاء المزيد من المساحات الخضراء وبناء المدن على نحو يمكّنها من امتصاص المياه أثناء هطول الأمطار الغزيرة وتخزينها من أجل أوقات الجفاف. كما يتضمن القانون الجديد سبل تعزيز خطط العمل المتعلقة بالارتفاع الشديد في درجات الحرارة للمؤسسات الاجتماعية، مثل دور المسنين ومراكز الرعاية النهارية والمستشفيات.
بالإضافة الى هشاشتها أمام تغيرات المناخ فحسب، فإن المنطقة العربية هي نقطة وصل بين القارة الأفريقية التي تعاني هي أيضاً من آثار التغيرات أيضاً، وبين أوروبا وغرب آسيا، مما يجعلها جسراً لهجرة مناخية كبيرة في المستقبل. وما يعنيه هذا الواقع هو ان العمل من أجل تحديث القوانين البيئية الموجودة واصدار قوانين مناخية جديدة تساعد على التخفيف والتكيف مع الآثار الناجمة عن الأزمة، لا يقتصر على حكومات المنطقة وحدها، بل انه عمل يقتضي مشاركة مؤسسات علمية-أكاديمية وصناع السياسة على المستويين الوطني الاقليمي والدولي، ذلك لأن العواقب ستكون شاملة وتمس الجميع الأطراف.
قصارى القول، وعلى غرار الحكومة الألمانية، الحكومات العربية مُطالبة أكثر من أي وقت مضى، بتشريع قوانين مناخية تلزم القطاعات العامة والخاصة وكذلك المجتمعات على اتباع نهج مستدام في استغلال الموارد الطبيعية والطاقة، بما في ذلك حوكمة المياه. وفي غياب القوانين وعدم تأمين العدالة البيئية بين المراكز والأطراف، قد تعرض الكوارث المناخية المؤسسات الخدمية (الصحة، العليم، الطاقة، البلديات) وكذلك الخدمات المالية والحكومية الى انهيارات محتملة، ناهيك بصراعات اجتماعية في السعي للحصول على موارد العيش في زمن القحط.
وأخيراً، هناك شرائح اجتماعية واسعة مثل الفلاحين والعمال ومربي المواشية والكسبة، تجبرهم ظروف العمل وسبل الحصول على رزقهم، العمل في الهواء الطلق والبقاء تحت لهيب الشمس الحارق بينما تبلغ الحرارة نصف الغليان أو تتخطاه في فصل الصيف الطويل. تالياً، تُعد الأشخاص الذين يعملون في الخارج أو الأمكنة المكشوفة للشمس من بين المجموعات الأكثر عرضة للإصابة بالجفاف والأمراض المرتبطة بالحرارة، مما يستوجب قوانين جديدة تُحسن ظروف العمل وتحميهم من آثار الحرارة.