الزراعة الذكية هي اتجاه حديث، يعتمد على استخدام التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، لتطوير الإنتاجية الزراعية بشكل مستدام وفعال.
و تهدف الزراعة الذكية لتحسين استغلال الموارد الطبيعية وتحقيق إنتاج أعلى بجودة أفضل، مع تقليل التأثيرات البيئية السلبية وتكاليف الإنتاج. وتعتمد على أدوات و تقنيات جديدة مثل أجهزة الاستشعار، والإنترنت الصناعي، والطائرات بدون طيار، وبرامج تحليل البيانات.
و يعد استخدام أنظمة استشعار متقدمة لمراقبة التربة والمياه والمناخ أحد أهم مجالات الزراعة الذكية، حيث تساعد أجهزة الاستشعار الفلاحين على متابعة مستويات الرطوبة والمغذيات في التربة، بتوفيرها معلومات دقيقة حول توقيت وكميات السقي المناسبة، مما يساعد على تقليل استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 30% وتحقيق إنتاج أفضل للمحاصيل. فيمكن للفلاح برمجة نظام السقي ليعمل فقط في المناطق التي تحتاج إلى الماء، إذا ما أظهر جهاز الاستشعار انخفاضا في رطوبة التربة، وبالتالي يتم توفير المياه وتجنب فائض السقي، الذي يمكن أن يؤدي إلى تآكل التربة وتلوث المياه الجوفية.
و تعتمد الزراعة الذكية أيضا على الطائرات بدون طيار، او ما يسمى بالدرونات، التي تقوم بمسح الأراضي الزراعية والتقاط صور عالية الدقة و توفر خرائط دقيقة، يمكن تحليلها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لمعرفة الأراضي التي بها نقص ما، مثل الآفات أو التوزيع غير المتساوي للمحاصيل، والتسميد ، مما يساعد على تقليل استخدام المبيدات الكيميائية والأسمدة.
ويساعد الذكاء الصناعي أيضا في تحديد أفضل الأوقات لزراعة المحاصيل أو حصادها، وكذلك تحليل الاتجاهات المناخية وتوقع حالات الطقس المستقبلية، مما يمكن الفلاحين من التخطيط لعملياتهم الزراعية بشكل دقيق. فعلى سبيل المثال، يمكن لنظام تحليل بيانات المناخ أن ينبه الفلاحين بشأن توقع جفاف قادم، مما يسمح لهم باتخاذ تدابير احترازية لحماية محاصيلهم.
ويمكن للزراعة الذكية أن تدعم تحسين تربية الحيوانات عبر استخدام تقنيات الرصد والمراقبة، حيث تستعمل أطواق استشعار توضع على الأبقار والماشية لتسجيل المعلومات البيولوجية، مثل درجات حرارة الجسم ومستوى النشاط؛ وتساعد هذه المعلومات الفلاحين في اكتشاف المشاكل الصحية في وقت مبكر وتحديد فترات خصوبة الحيوانات، مما يؤدي إلى تحسين جودة اللحوم والألبان وتقليل خسائر الحيوانات نتيجة الأمراض.
في الوقت نفسه، تساهم الزراعة الذكية في تحسين الاستدامة البيئية؛ فبفضل توجيه و استعمال الموارد بدقة، يمكن تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن النشاطات الزراعية، وتوفير استخدام الأسمدة والمواد الكيميائية التي يمكن أن تلوث البيئة، و هو ما سيساهم في تقليل الأثر البيئي للزراعة وتحقيق زراعة مستدامة تدعم احتياجات الأجيال الحالية والقادمة.
إلا أن التحول إلى الزراعة الذكية يواجه تحديات، من بينها التكلفة العالية للتكنولوجيا المتقدمة، وصعوبة تطبيقها في بعض المناطق النائية و كذا في البلدان النامية، حيث قد لا تتوفر بنية تحتية مناسبة. إلى جانب تحديات أخرى، تتعلق بضرورة برمجة أولية لحصص تكوينية لفائدة الفلاحين على استخدام التقنيات الجديدة، وضرورة توفير حماية للبيانات المحصل عليها لضمان خصوصية المعلومات الفلاحية.
في سنة 2024، شهدت الزراعة الذكية، على المستوى العالمي، تطورات مهمة بفضل زيادة الاستثمارات وتوسع البرامج الدولية الداعمة. فمثلا، أعلنت وزارة الفلاحة الأمريكية عن استثمار قدره 1.5 مليار دولار في برنامج الشراكة الإقليمية للحفاظ على البيئة، بهدف تعزيز الممارسات الزراعية الذكية تجاه المناخ، وتسهيل التحول نحو زراعة مستدامة وفعالة، تشمل الاستخدام الأفضل للمياه وتحسين تربية المحاصيل بطرق صديقة للبيئة. يأتي هذا التمويل كجزء من خطة الإدارة الأمريكية لتعزيز الزراعة الذكية وتوجيه الفوائد لمجتمعات الريف المهمشة تقليديا، ضمن جهود دعم الفلاحين بموارد تقنية ومالية إضافية.
كما برز خلال مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ كوب 28 مبادرة الزراعة الذكية للمناخ (AIM for Climate)، التي بلغت استثماراتها 17 مليار دولار، وشملت أكثر من 600 شريك عالمي. وتركز المبادرة على الابتكارات التي تقلل من انبعاثات غاز الميثان المرتبطة بالقطاع الفلاحي، بما في ذلك مشاريع بحثية تهدف إلى خفض انبعاثات تربية المواشي. ومن المتوقع أن تساهم هذه الجهود في تحسين الإنتاجية مع الحد من التأثيرات البيئية على المدى القريب.
تشكل الزراعة الذكية خطوة هامة نحو ثورة زراعية مستدامة وفعالة. من خلال تبني هذه التكنولوجيا، يمكن للمزارعين تحسين الإنتاجية وتقليل الهدر والمحافظة على الموارد البيئية. ولتحقيق ذلك، يتطلب الأمر دعما من الحكومات لتطوير بنية تحتية تقنية في المناطق الفلاحية.