صحراء كانت تغمرها الأنهار وتنبض بالحياة! اكتشاف علمي مذهل تكشفه هيئة التراث السعودية، يوثق أعمق سجل مناخي طبيعي عرفته الجزيرة العربية، ويمتد عبر أكثر من 8 ملايين سنة، ليزيح الستار عن ماضٍ أخضر غيّر فهم العلماء لتاريخ الصحراء الكبرى
أعلنت هيئة التراث السعودية عن اكتشاف أطول سجل مناخي موثق في العالم، يمتد لأكثر من 8 ملايين سنة، وذلك في منطقة شمال شرقي مدينة الرياض. وأكدت نتائج دراسة علمية حديثة أن أراضي السعودية كانت واحة خضراء تزدهر بالحياة قبل ملايين السنين، بخلاف طبيعتها الجافة الحالية.
وكشفت الدراسة، التي تعد الأولى من نوعها، عن تفاصيل دقيقة للتاريخ المناخي للجزيرة العربية عبر تحليل 22 متكونا كهفيا عثر عليها في 7 دحول تعرف محليا باسم “دحول الصمان” بالقرب من مركز شوية في محافظة رماح. وأثبتت النتائج أن الجزيرة العربية شهدت عدة مراحل مطيرة ازدهر خلالها الغطاء النباتي وتنوعت الكائنات الحية بشكل لافت.
وخلال مؤتمر صحفي، عقد الأربعاء الماضي، بمدينة الرياض، أعلن الدكتور عجب العتيبي، مدير إدارة الآثار في الهيئة، عن نتائج الدراسة التي نشرتها مجلة نيتشر Nature تحت عنوان: “الحقب الرطبة المتكررة في شبه الجزيرة العربية خلال الـ8 ملايين سنة الماضية”. وجاءت الدراسة ضمن مشروع “الجزيرة العربية الخضراء”، بالتعاون مع 27 جهة بحثية محلية ودولية.
وبينت الدراسة أن صحراء السعودية، التي تعد اليوم واحدة من أكبر الحواجز الجافة على الأرض، كانت في السابق حلقة وصل طبيعية للهجرات الحيوانية والبشرية بين أفريقيا وآسيا وأوروبا. وأسهمت الفترات الرطبة المتعاقبة في تيسير حركة الكائنات الحية، مما جعل الجزيرة العربية بيئة حيوية غنية بالأنهار والبحيرات، كما تدعمه الدلائل الأحفورية لوجود أنواع مائية مثل التماسيح وأفراس النهر والخيل.
واعتمد الفريق العلمي على تحليل الترسبات الكيميائية في المتكونات الكهفية، بما في ذلك نظائر الأكسجين والكربون، إلى جانب تحديد أعمار الترسبات باستخدام تقنيتي “اليورانيوم – الثوريوم (U-Th)” و “اليورانيوم – الرصاص (U-Pb)”.
وأظهرت النتائج أن أقدم الفترات المطيرة تعود إلى أواخر عصر الميوسين منذ حوالي 8 ملايين سنة، واستمرت عبر عصر البليوسين حتى أواخر عصر البليستوسين.
ويعد مشروع “الجزيرة العربية الخضراء” مبادرة علمية رائدة تهدف إلى تعزيز البحث العلمي وتوثيق التاريخ الطبيعي والثقافي للمنطقة. كما يركز المشروع على دراسة أبعاد التغيرات البيئية ودورها في تشكيل جغرافيا وبيئة الجزيرة العربية.
وأكدت هيئة التراث التزامها بدعم البحوث العلمية وتوسيع التعاون الدولي، مشيرة إلى أن نتائج الدراسة تمثل بداية لفهم أعمق للتاريخ الطبيعي للمملكة، وأن مزيدا من الدراسات المقبلة سيساهم في إثراء المعرفة البيئية والثقافية للمنطقة.
ورغم أهمية هذا الكشف، لا تزال الكهوف السعودية بحاجة إلى المزيد من الاستكشافات والدراسات العلمية لتوثيق ثرائها الطبيعي بشكل أشمل.