في زمن التحولات الجيوسياسية الكبرى، برزت الموانئ وتأمين الطرق البحرية كأوراق رابحة لدفع الاندماج الاقتصادي وتعزيز مكانة إفريقيا على الساحة العالمية._
شهدت الدار البيضاء، يوم أمس الجمعة، تنظيم ندوة رفيعة المستوى ضمن فعاليات منتدى كرانس مونتانا 2025، تحت شعار “التجارة الدولية تتطلب السلامة البحرية وأمن الموانئ والطرق الملاحية”، والتي برزت أهمية تأمين الطرق البحرية وتطوير البنيات التحتية للموانئ كرافعتين رئيسيتين لتحقيق التنمية الاقتصادية وتعزيز السيادة الترابية في القارة الإفريقية.
وفي هذا الصدد، ناقش السيد أشرف ترسيم، رئيس مكتب البنك الإفريقي للتنمية بالمغرب، أهمية الممرات الاقتصادية والبنيات المينائية، مبرزا دورها في إحداث تحول هيكلي بالقارة. وأوضح أن هذه البنيات لا تقتصر على تسهيل المبادلات، بل تمكن أيضا من إدماج إفريقيا في سلاسل القيمة العالمية.
وذكر رئيس مكتب البنك الإفريقي بأن منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية تمثل أكثر من التزام سياسي، مشيرا إلى أنها تشكل نموذجا للتحول يرتكز على سوق موحدة تشمل 54 دولة، ويصل عدد سكانها حاليا إلى 1.3 مليار نسمة، مع توقع ارتفاعه إلى 2.5 مليار نسمة بحلول سنة 2050 .
كما استعرض ترسيم تجربة ميناء طنجة المتوسط، معتبرا إياه نموذجا ناجحا في جذب الاستثمارات وخلق فرص الشغل وإنتاج القيمة المضافة، مؤكدا استمرار هذه الدينامية مع مشروع ميناء الناظور غرب المتوسط، ومشددا على أن الموانئ ينبغي أن تتحول إلى بوابات لنظام اقتصادي مندمج، داعيا القارة الإفريقية إلى تعزيز الاعتماد على قدراتها الذاتية لمواجهة التقلبات الجيوسياسية العالمية.
وفي سياق متصل، سلطت السيدة ماري بيير فيدرين، عضو البرلمان الأوروبي، الضوء على الدور الاستراتيجي للموانئ باعتبارها مكونات رئيسية للسيادة ومراكز لالتقاء التحديات الراهنة، منبهة إلى أن هذه الفضاءات تختزن إمكانيات مهمة لكنها تظل عرضة لمواطن ضعف، داعية إلى تنسيق أفضل بين الرؤية السياسية والموارد المخصصة للفاعلين الميدانيين.
كما عبّرت فيدرين عن إعجابها بالتكامل القائم بين الرؤية الاستراتيجية والوسائل المعبأة في المغرب، مشيدة بالرؤية والإرادة التي يقودها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لتحقيق الطموحات الوطنية، مشددة على ضرورة تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، معتبرة أن التوازن بين المستثمرين والمؤسسات المالية والسلطات العمومية يمثل حلقة يجب تطويرها لضمان تحويل الموانئ إلى أدوات للنمو الاقتصادي والسيادة الطاقية والغذائية.
تجدر الإشارة إلى أن برنامج المنتدى عرف مشاركة واسعة من خلال ندوات موضوعاتية، وجلسات تواصلية، إلى جانب تنظيم زيارة ميدانية لمرافق ميناء الدار البيضاء.
وأجمعت تدخلات المشاركين على أن تطوير وتأمين الموانئ يشكل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة والاندماج الاقتصادي في إفريقيا. كما دعا المتدخلون إلى مواصلة تفعيل رؤية شاملة قائمة على الابتكار والشراكة المتوازنة بين القطاعين العام والخاص، من أجل تمكين القارة من تعزيز مكانتها في الاقتصاد العالمي.