في فاس، حيث يلتقي التاريخ بالمعنى، اختار المنتدى الفكري المصاحب لمهرجان الموسيقى العالمية العريقة في دورته الـ28 أن يجعل من “الانبعاثات” عنوانًا لفهم التحولات العميقة التي تعيشها المجتمعات.
افتتح إدريس خروز، مدير المنتدى، أشغال هذه التظاهرة الفكرية بالتأكيد على خصوصية المغرب كبلد يجمع بين عراقة ثقافته ومرونة انفتاحه، مشيرًا إلى أن “الانبعاثات” ليست مجرد مفهوم نظري، بل تجربة معيشة تعبّر عن تجدد جماعي يتطلب الوعي والإبداع.
وأكد خروز أن الثقافة ليست ترفًا، بل مؤشر نضج حضاري، ووسيلة لفهم الذات وتحولاتها. وفي عصر الذكاء الاصطناعي، أشار إلى أن العلاقة بين الثقافة والتكنولوجيا قد تكون مشوبة بالتوتر، لكنها ضرورية لفهم الراهن واستبصار المستقبل.
في مداخلته حول “فاس والنهضة السياسية والدينية في إفريقيا”، أعاد الباحث جيلالي العدناني تسليط الضوء على إشعاع المدينة نحو إفريقيا جنوب الصحراء، عبر الحركات الصوفية المغربية التي كانت فاعلًا في التحولات السياسية والدينية، مستشهدًا بالطريقة السنوسية ودولة الحاج عمر تال.
ولم يغفل العدناني البعد الفني والمعماري، مشيرًا إلى حضور البصمة المغربية في معالم أوروبية، مثل مسجد باريس الكبير المستوحى من المدرسة البوعنانية بفاس.
أما في الشق العلمي، فقد تحدث يوسف بوكبوط، عالم الآثار، عن أهمية الاكتشافات الأثرية المغربية في إعادة رسم خريطة أصول الإنسان العاقل، مستشهدًا بموقع جبل إيغود كأقدم موطن معروف لـ”هومو سابيانس”، وبالطقوس الجنائزية المكتشفة في كهف “إيفري ن عمر أو موسى” التي تعود لأكثر من 7000 سنة، ما يكشف عن روح مبدعة ومعقدة لمجتمعات ما قبل التاريخ.
واعتبر المنظمون أن هذه الدورة التي خصصت تحية خاصة لإفريقيا وإيطاليا، تؤكد على مكانة فاس كمنارة فكرية وفضاء حيوي للحوار الثقافي والروحي، حيث تُستحضر التحولات العالمية تحت عنوان الانبعاث، من منطلق مغربي أصيل ينفتح بثقة على المستقبل.
