شهدت العاصمة الرباط تنظيم النسخة الثانية من مؤتمر “النسوية”، الذي خصص أشغاله هذا العام لتفكيك العلاقة بين العنف ضد النساء والتفاوتات الاقتصادية، تحت شعار: “العنف والتفاوتات الاقتصادية: تعرّف، افهم، تصرف”، بمبادرة من جمعية “نشر ثقافة المساواة” (APCE).
وأكد المشاركون، خلال هذا اللقاء الممتد على يومين، أن المرأة المغربية، خاصة في الوسط القروي، لا تزال تعاني من عقبات اقتصادية واجتماعية وهيكلية تحد من اندماجها الكامل في سوق الشغل، وتُجهض فرص تعزيز استقلاليتها، على الرغم من تعدد البرامج والسياسات.
وضع مقلق وفجوة متزايدة
وأبرزت مداخلات المؤتمر استمرار الفجوة بين الجنسين، مؤكدين تراجع معدل النشاط الاقتصادي لدى النساء وارتفاع البطالة وهشاشة التشغيل، مما يضعهن في مراتب هشة اقتصادياً واجتماعياً.
كما تم التحذير من استمرار الصور النمطية والأدوار الأسرية التقليدية التي تحصر المرأة في فضاءات غير مدفوعة الأجر، وتُعطل مشاركتها الفعالة في الدورة الاقتصادية.
دعوات إلى سياسات دامجة ومقاربة النوع
أوصى المشاركون بضرورة تبني سياسات عمومية دامجة تأخذ بعين الاعتبار مقاربة النوع الاجتماعي، عبر تمكين النساء من الولوج العادل للموارد، وتحسين ظروف العمل، وتوسيع دائرة الاستفادة من التكوين والتمويل والفرص الاقتصادية.
وأكدت نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، أن العنف ضد النساء لا يزال خارج دائرة الأولويات الوطنية بشكل فعلي، مطالبة بضرورة الانتقال من التشخيص إلى الفعل. واعتبرت أن دعم النساء ليس فقط مسألة عدالة اجتماعية، بل مدخل رئيسي لتقوية الاقتصاد الوطني وتحقيق تنمية مستدامة.
كما شددت على أهمية تشجيع ريادة الأعمال النسائية، وتطوير كفاءات النساء في مجال تدبير المشاريع، مؤكدة أن الوزارة تنفذ مشروعًا رائدًا بشراكة مع البنك الدولي لتعزيز الإدماج الاقتصادي للنساء.
مؤشرات مقلقة وتحديات قائمة
من جهته، أبرز يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولات الصغيرة والتشغيل والكفاءات، أهمية كسر احتكار الذكور لمراكز القرار، مشيرًا إلى أن نسبة النساء المسؤولات داخل وزارته ارتفعت إلى 60 في المائة بعد فتح باب التباري أمام الجميع.
كما أعلن أن قانون الشغل الجديد سيرى النور قبل نهاية السنة الجارية، وسيتضمن لأول مرة تنظيمًا للعمل عن بعد والعمل بدوام جزئي، ما قد يفتح آفاقًا واعدة أمام النساء.
أما شكيب بنموسى، المندوب السامي للتخطيط، فقد نبه إلى تراجع المغرب في مؤشر المساواة لسنة 2024، حيث احتل المرتبة 113 من أصل 172 دولة، مبرزًا أن امرأة من كل خمس تبحث عن عمل دون نتيجة.
ريادة نسائية تواجه عراقيل
وفي السياق ذاته، شددت عائشة زعيمي صخري، رئيسة الجمعية المنظمة للمؤتمر، على أن التفاوت بين متطلبات الشغل والمهام الأسرية يؤثر سلباً على مسارات النساء المهنية، مضيفة أن غياب الحماية الاجتماعية وصعوبة الولوج إلى التمويل لا تزالان من أبرز العراقيل أمام النساء المقاولات.
نحو فهم أعمق وتحرك جماعي
ويتضمن برنامج المؤتمر جلسات نقاش وتبادل خبرات تتمحور حول الحواجز القانونية والبنيوية أمام تمكين النساء، وتفكيك الصور النمطية، ودور المؤسسات في ترسيخ المساواة، إلى جانب تحفيز الإعلام للعب دور في تغيير الوعي الجمعي تجاه النساء وأدوارهن الاقتصادية.