الذهب في المغرب.. أزمة أسعار تعيد تشكيل استراتيجيات القطاع وسط عالم مضطرب
في خضم موجة تصاعدية غير مسبوقة، تواجه سوق الذهب المغربية تحولات جذرية تدفع العاملين فيها إلى مراجعة حساباتهم الاقتصادية، بعد أن تحول المعدن النفيس إلى سلعة “استثنائية” تجمع بين وظيفة الادخار وتحديات التقلبات العالمية.
قفزة تاريخية تضع المستهلكين في مأزق:
سجلت أسعار الذهب المحلية ارتفاعا صادما، حيث تجاوز سعر الغرام عيار 18 قيراطا حاجز 770 درهما للمرة الأولى في تاريخ السوق، متأثرا بموجة صعود عالمية دفعت سعر الأوقية إلى أعلى من 3.200 دولار.
وضع، هذا الارتفاع المفاجئ، تجار المجوهرات والمشترين في موقف عصيب، مع تراجع القدرة على التفاوض وتراجع الطلب المحلي بنسبة ملحوظة، إذ يفضل العديد من الزبائن التريث خوفًا من مزيد من التقلبات.
عوامل عالمية تغذي الأزمة:
تعود جذور الأزمة إلى اشتعال التوترات الجيوسياسية والتجارية، لاسيما بين الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى سياسات جمركية أمريكية غامضة، مما دفع المستثمرين العالميين إلى التدفق على الذهب كـملاذ آمن في ظل تراجع الثقة بالأسواق المالية التقليدية. وعلى الرغم من الإعلان الأمريكي عن تعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يوما، إلا أن القرار زاد من حدة التخوفات بدلا أن يخففها، وفقا لتحليلات خبراء الاقتصاد.
مقارنة صادمة.. الذهب يتفوق على الأسهم والسندات:
خلال الفترة بين أبريل 2024 وأبريل 2025، قفز سعر الأوقية من الذهب، عالميا، من 2.370 دولارا إلى 3.220 دولارا، مسجلا نموا بنسبة 35،9%، وهو معدل يفوق بكثير العوائد التي تحقق عادة في أسواق الأسهم أو السندات، حتى مع تحمل مخاطر عالية. هذا الأداء الاستثنائي يؤكد مكانة الذهب كـبطل الأزمات، خاصة مع تزايد التشاؤم حيال المستقبل الاقتصادي العالمي.
مستقبل غامض واستحقاقات ملحة:
يواجه القطاع في المغرب تحديا مزدوجا: فمن جهة، عليه التعامل مع تبعات ارتفاع التكاليف على الأعمال التجارية، ومن جهة أخرى، إعادة بناء ثقة المستهلكين الذين باتوا يفضلون الانتظار أو تحويل مدخراتهم إلى بدائل أقل تقلبا. وفي ظل هذا الواقع، يبدو أن إعادة ابتكار النماذج الاقتصادية للتعامل مع الذهب لم تعد خيارا، بل ضرورة حتمية في عالم يزداد اضطرابا.
هكذا يتحول الذهب من مجرد سلعة ثمينة إلى مؤشر اقتصادي واجتماعي يعكس هشاشة المنظومة العالمية، ويدفع الدول، ومنها المغرب، إلى مراجعة سياساتها قبل فوات الأوان.