يمر طعامنا برحلة طويلة ومعقدة قبل أن يصل إلى موائدنا، وكل مرحلة من هذه الرحلة تفاقم تأثيره المناخي. فعمليات التصنيع والتغليف، إلى جانب النقل والهدر الغذائي، تجعل سلسلة الإمداد الغذائي واحدة من أكبر مصادر انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم.
إضافة إلى ذلك، فإن نموذج الإنتاج والتوزيع الغذائي الحالي، القائم على الاستخراج والتلوث، يؤدي إلى تقلب الأسعار، وعدم استقرار الإمدادات، وتراكم كميات هائلة من النفايات. وهو ما يهدد الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية، ويزيد من تفاقم التغير المناخي. ومع النمو السريع لعدد السكان، يواجه العالم تحديا كبيرا.
اليوم العالمي للصفر نفايات: تعزيز الاستدامة
للمرة الثانية، يُلقي اليوم الدولي للنفايات الصفرية (30 مارس) الضوء على أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة، مع التوعية بكيفية مساهمة مبادرات “النفايات الصفرية” في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030.
تغيير جذري في النظام الغذائي
الحل يكمن في التحول نحو نظام غذائي دائري، حيث يتم تطوير أسلوب لتقليل الهدر وتعزيز استخدام الموارد عبر سلسلة القيمة الغذائية.
يلعب أصحاب المصلحة في هذه السلسلة، بما في ذلك رواد الأعمال، دورا مهما في هذا التغيير. فمن خلال تطوير حلول مبتكرة ونماذج اقتصادية جديدة، وزيادة الوعي بأهمية تقليل هدر الطعام، يمكنهم المساهمة في بناء نظام غذائي أكثر استدامة للمستقبل.
يتطلب هذا التحول تعاون جميع الأطراف في النظام الغذائي، من الإنتاج إلى المعالجة والتوزيع والاستهلاك.
تطبيق النهج الدائري
يساعد النهج الدائري في تقليل الاعتماد على الموارد الخارجية، ويحد من الهدر والتلوث عبر دورة الإنتاج والاستهلاك الغذائي. وهو ما يسمح باستخلاص أكبر قيمة ممكنة من المنتجات الغذائية طوال دورة حياتها. تشكل هذه التحولات فرصة اقتصادية لكل من المنتجين والمستهلكين.
ممارسات مبتكرة للحد من الهدر
يمكن للمزارعين والعاملين في الصناعات الغذائية تقليل الفاقد البيئي عبر تبني ممارسات زراعية متجددة وتحسين العمليات الإنتاجية وتطوير نماذج اقتصادية جديدة.
يمكنهم أيضا إعادة استخدام المواد التي كانت تُعتبر نفايات، مثل تحويل بقايا الإنتاج إلى سماد أو طاقة حيوية، أو استخدامها كعلف للحيوانات.
على سبيل المثال، أطلق مشروع BioDAF، التابع لمنظمة الفاو، مزرعة تجريبية لإنتاج يرقات ذباب الجندي الأسود، والتي تتغذى على النفايات العضوية، مما يساهم في تقليل هدر الطعام. وبعد تجفيف هذه اليرقات، يتم استخدامها كعلف للحيوانات، بينما تُحوَّل مخلفاتها إلى سماد عضوي.
تحويل المنتجات الثانوية إلى فرص جديدة
يمكن للشركات إعادة تدوير المنتجات الثانوية الغذائية إلى منتجات جديدة، مثل بدائل الحليب والمربى المصنوعة من بقايا الفواكه، أو الحساء والمربيات المحضرة من فائض الخضروات والفاكهة. هذه الجهود لا تفيد البيئة فحسب، بل توفر أيضا مصادر دخل جديدة.
تحسين شبكات إدارة الفاقد الغذائي
تربط منصات إدارة نفايات الطعام بين الموردين وتجار التجزئة مع المطاعم والفنادق وشركات إعادة التدوير وبنوك الطعام، مما يتيح إعادة استخدام الأطعمة غير المباعة بطرق تحقق فوائد اجتماعية واقتصادية وبيئية.
دور التوريد المحلي
يساهم تقصير المسافات التي يقطعها الطعام في تقليل البصمة الكربونية المرتبطة بنقله. كما أن تعزيز الروابط بين المستهلكين والمزارعين يشجع على تبني ممارسات زراعية أكثر استدامة.
توفر الأسواق الإلكترونية للمزارعين فرصة لبيع منتجاتهم الطازجة والمستدامة مباشرة للمستهلكين. إضافة إلى ذلك، تساعد المدن التي تعتمد على المنتجين المحليين في بناء سلسلة إمداد غذائي أكثر مرونة.
بنوك الطعام والسياسات الداعمة
تلعب بنوك الطعام دورا رئيسيا في إعادة توزيع فائض الغذاء، مما يضمن حصول الجميع على تغذية صحية. وبدعم من الفاو، أقر برلمانا جورجيا وجمهورية مولدوفا قوانين للحد من هدر الطعام، وتشجيع الشركات على التبرع بفائض إنتاجها للمنظمات الخيرية.
السياسات الداعمة والتحفيزات الاقتصادية
يجب أن تساعد السياسات والحوافز المناسبة في إزالة العقبات التي تمنع الشركات من تبني مبادئ الاقتصاد الدائري والاستثمار في حلول وتقنيات تقلل من فقد وهدر الطعام.
رسالة اليوم الدولي للنفايات الصفرية
يذكرنا هذا اليوم بأهمية العمل على جميع المستويات والتعاون مع مختلف الأطراف. فمن خلال جهود مشتركة، يمكننا تحقيق تحول جذري نحو نظام غذائي أكثر استدامة، يضمن مستقبلا أفضل للأجيال القادمة.
