تقرير المجلس الأعلى للحسابات: التغيرات المناخية تهدد مستقبل الزراعة المغربية

ECO1718 ديسمبر 2024
تقرير المجلس الأعلى للحسابات: التغيرات المناخية تهدد مستقبل الزراعة المغربية
إيمان بنسعيد

كشف المجلس الأعلى للحسابات في تقرير حديث لسنة 2023/2024، صدر بالجريدة الرسمية عدد 7360 مكرر بتاريخ 13 دجنبر 2024، عن الوضع الحرج الذي يعيشه القطاع الزراعي المغربي نتيجة التغيرات المناخية المتفاقمة، و تتجلى هذه التغيرات من خلال ندرة الأمطار، ارتفاع درجات الحرارة، والظواهر المناخية المتطرفة، ما أدى إلى تقلص المساحات المزروعة وانخفاض الإنتاجية بشكل واضح.

ويعد القطاع الزراعي المغربي الأكثر تضررا جراء التغيرات المناخية، حيث يواجه تحديات مزدوجة تتمثل في ضمان الأمن الغذائي عبر زيادة الإنتاج وتحسين كفاءة استخدام الموارد من جهة، والحفاظ على الموارد الطبيعية وضمان استدامتها من جهة أخرى، خاصة في ظل تزايد الضغوط البيئية والبشرية المتزايدة.

ضعف الإطار القانوني

أوضح التقرير أن الإطار القانوني لمكافحة آثار التغيرات المناخية في القطاع الزراعي لا يزال غير مكتمل،  على الرغم من إصدار قوانين مهمة، كالقانون رقم 49.17 المتعلق بالتقييم البيئي الاستراتيجي، والقانون رقم 01.06 الخاص بتنمية الواحات وحماية شجر النخيل.

إلا أن تأخر إصدار النصوص التطبيقية لهذه القوانين يشكل عائقا حقيقيا، كما أشار التقرير إلى غياب قانون خاص بحماية التربة، حيث لا يزال مشروع القانون رقم 42.10 معلقا رغم تزايد الضغط على الأراضي بسبب الأنشطة الزراعية والتوسع الحضري.

ضعف التنسيق بين السياسات الزراعية والمناخية

سلط التقرير الضوء على نقص التنسيق بين الاستراتيجيات الزراعية والمناخية،  فعلى الرغم من أن استراتيجية “الجيل الأخضر” 2020-2030 تسعى لتحقيق تنمية زراعية مستدامة، إلا أنها لم تدمج بالشكل الكافي مع أهداف مكافحة التغيرات المناخية.

و تؤكد الوثيقة نفسها على ضرورة مراعاة الظروف الجغرافية والبيئية للمناطق المختلفة، وترشيد استخدام الموارد المائية وحمايتها في ظل الإجهاد المائي الذي يعاني منه المغرب.

مشاريع التكيف: تأخير وتحديات

أمام أهمية مشاريع التكيف مع التغيرات المناخية، أشار التقرير إلى تأخر كبير في تنفيذها، ومنها:

1. الزرع المباشر للحبوب: تقنية تهدف إلى تحسين استخدام المياه والتربة، لكنها لم ت عمم بعد؛ حيث غطت 84,511 هكتار ا فقط في عام 2023 من أصل هدف يبلغ مليون هكتار.

2. الزراعة العضوية: تبلغ المساحة الحالية 18,500 هكتار، أمام الأهداف الطموحة للوصول إلى 100,000 هكتار بحلول 2030.

الزراعة.. مصدر رئيسي للانبعاثات الغازية

أشارت النتائج المضمنة في التقرير إلى أن القطاع الزراعي يعتبر من أكبر مصادر الغازات الدفيئة في المغرب، خاصة الميثان (CH4) بنسبة 62.4%، الناتج عن تربية الماشية، وأكسيد النيتروز (N2O) بنسبة 92.4%، الناتج عن استخدام الأسمدة الكيميائية، موضحة أن الجهود الحالية للتخفيف من الانبعاثات غير كافية، في ظل غياب مقاربة شاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع مصادر التلوث والانبعاثات.

ندرة المياه تهدد مشاريع الري

تطرق التقرير إلى أزمة المياه، حيث انخفض نصيب الفرد من الموارد المائية من 2560 مترا مكعبا خلال سنة  1960 إلى 606 أمتار مكعبة خلال سنة  2024. بالإضافة إلى مناطق زراعية رئيسية، مثل دكالة، تعاني من انقطاع تام لمياه الري لمدة ثلاث سنوات متتالية (2020-2023 ).

التأمين الزراعي: إقبال ضعيف رغم التحديات

ترتفع نسبة التأمين ضد المخاطر المناخية تدريجيا من 7% في 2012 إلى 24% خلال سنة 2023، إلا أن هذه النسبة لا تزال ضعيفة بالنظر إلى المخاطر المتزايدة التي تواجه المحاصيل الزراعية بسبب الجفاف والظواهر المناخية المتطرفة.

توصيات المجلس الأعلى للحسابات

قدم المجلس الأعلى للحسابات مجموعة من التوصيات لمواجهة التحديات التي تعترض القطاع الزراعي المغربي، أبرزها تسريع اعتماد النصوص التطبيقية للقوانين البيئية والزراعية، وتعزيز التنسيق بين الاستراتيجيات الزراعية والمناخية لضمان استدامة القطاع. كما أوصى المجلس بضرورة تسريع مشاريع الري باستخدام المياه غير التقليدية، مثل تحلية مياه البحر، وتعميم تقنيات التكيف كالزرع المباشر وتوسيع نطاق الزراعة العضوية. مشددا على أهمية تطوير البحث العلمي في مواجهة التغيرات المناخية وتطبيق نتائجه عمليا.

يكشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات عن الحاجة الملحة للتحرك الفوري لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية على القطاع الزراعي المغربي. فغياب التنسيق، التأخر في المشاريع، والضغوط البيئية تهدد الأمن الغذائي واستدامة هذا القطاع الحيوي، مما يستدعي تكثيف الجهود وتطبيق الحلول بفاعلية أكبر.

فهل ستترجم هذه التوصيات إلى إجراءات عملية فعالة تسرع من تكيف القطاع الزراعي مع التغيرات المناخية وتضمن استدامة موارده، أم سيظل هذا القطاع الحيوي رهينة التأخير والتحديات المتراكمة؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق