بطء تمويل التكيف المناخي يهدد الأرواح والاقتصادات

ECO174 نوفمبر 2025
بطء تمويل التكيف المناخي يهدد الأرواح والاقتصادات
إيمان بنسعيد

أطلق برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يوم الأربعاء 29 من أكتوبر 2025، في نيروبي تقريره السنوي “فجوة التكيف 2025: نفاد الموارد”، معلنا أن العالم يستعد لمواجهة تغير المناخ من دون المال الكافي للوصول إلى الصمود المنشود.

ويحذر التقرير من أن التأخر في تمويل التكيف، لم يعد مشكلة بيئية فحسب، بل أصبح خطرا اقتصاديا يهدد الأمن الغذائي والنمو العالمي ويعمق هشاشة المجتمعات الأكثر فقرا.

فجوة مالية تتسع في وجه الاحترار العالمي
يرصد التقرير أن الاحتياجات السنوية للتكيف في الدول النامية، ستبلغ ما بين 310 و 365 مليار دولار أمريكي بحلول سنة 2035، في حين لم تتجاوز التدفقات المالية الفعلية خلال سنة 2023 نحو 26 مليار دولار فقط ؛ أي أقل من عشر المطلوب.

ويشير إلى أن التمويل المتاح، يقل بنحو 12 إلى 14 مرة عن المستوى اللازم لتفادي أسوأ السيناريوهات، ما يجعل تحقيق هدف ميثاق غلاسكو للمناخ، القاضي بمضاعفة تمويل التكيف ليصل إلى 40 مليار دولار سنويا بحلول سنة 2025 ، أمرا بعيد المنال.

ويصف التقرير هذا الوضع بأنه “اختبار عالمي للعدالة المناخية”، إذ تتحمل الدول الأقل تسببا في الانبعاثات ،القسم الأكبر من الأضرار. كما تظهر البيانات أن تدفقات التمويل الدولي للتكيف، تراجعت بين سنتي2022 و 2023، بعد أن انخفضت مساهمات المصارف الإنمائية متعددة الأطراف بنسبة ملموسة، وهو ما يعكس وفق التقرير، حالة إرهاق مالي، أمام تصاعد الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية.

الديون بدل الدعم
يشير التقرير إلى أن نحو 58 في المائة من التمويل المتاح يأتي في شكل قروض غير ميسرة، مما يضاعف عبء الديون على الاقتصادات الهشة، خصوصا في إفريقيا وجزر المحيط الهادئ. هذا الوضع خلق ما يسميه التقرير بالحلقة المفرغة من المديونية المناخية، إذ تضطر الدول المتضررة للاقتراض لإصلاح أضرار الكوارث، فتجد نفسها لاحقا عاجزة عن تمويل إجراءات الوقاية.

كما يشدد على أن التمويل المستقبلي يجب أن يركز على المنح والقروض الميسرة وغير المثقلة بالديون، في إطار خارطة طريق باكو إلى بيليم، التي تستهدف تعبئة 1.3 تريليون دولار سنويا بحلول سنة 2035.

خسائر اقتصادية كان يمكن تفاديها
يؤكد التقرير بأن الاستثمار في التكيف، هو أحد أذكى الخيارات الاقتصادية، إذ يجنب كل دولار ينفق الآن ما لا يقل عن عشرة دولارات من الخسائر المستقبلية. ويضرب أمثلة واقعية، بحيث أن كل دولار يستثمر في حماية السواحل من الفيضانات، يجنب 14 د ولارا من الأضرار، فيما تساعد الحلول الطبيعية الحضرية في خفض درجات الحرارة بأكثر من درجة مئوية أثناء موجات الحر.

كما توضح إنغر أندرسن Inger Andersen، المديرة التنفيذية لـلبرنامج، في التقرير نفسه، أن “بطء التحرك ، يعني فقدان أرواح وخسائر اقتصادية يمكن تجنبها”، مشيرة إلى أن العالم “يعرف طريق الصمود لكنه يسير عليه بخطى مثقلة ومن دون المال اللازم للعبور”.

خطط وطنية دون تنفيذ فعلي
يفيد التقرير بأن 172 دولة أعدت أو بدأت تنفيذ خطط وطنية للتكيف، إلا أن أقل من نصف هذه الخطط دخلت حيز التنفيذ الكامل حتى الآن. كما قدمت 94 دولة تقاريرها ضمن آلية الشفافية الثنائية، لكن معظمها ركز على الزراعة والبنية التحتية وأهمل ملفات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.

ويظهر التحليل أن الدول الأكثر، خصوصا في إفريقيا جنوب الصحراء وجزر المحيط الهادئ ، ما زالت تعاني نقص القدرات التقنية ، أنظمة المتابعة والتقييم.

القطاع الخاص.. قوة كامنة
يؤكد التقرير أن مشاركة القطاع الخاص، في تمويل التكيف لا تزال محدودة، إذ لا يتجاوز حجم مساهماته 5 مليارات دولار سنويا، بينما تقدر إمكاناته الواقعية بنحو 50 مليار دولار إذا استخدمت آليات التمويل المختلط والضمانات السيادية.

ويرى معدو التقرير أن تحفيز الاستثمارات، في الطاقة المتجددة والزراعة الذكية من ناحية المناخ ، ضروري لتقليص الفجوة التمويلية.

دعوة إلى عدالة مناخية وتمويل منصف
يعيد التقرير التأكيد على أن 75 % من الخسائر المناخية تقع في دول لا تتجاوز مساهمتها 10 % من الانبعاثات العالمية. ولهذا يدعو برنامج الأمم المتحدة للبيئة الدول الصناعية، إلى ضرورة زيادة المنح وتحويل جزء من التزاماتها إلى دعم مباشر غير مشروط، مع إدماج مؤشرات المرونة المناخية، في تصنيفات الجدارة الائتمانية، بحيث يكافأ الأداء المناخي ضمن الأسواق المالية.

وفي خاتمة التقرير، يدعو البرنامج الدول إلى إطلاق “جهد جماعي عالمي”، على غرار ما اقترحته الرئاسة البرازيلية لمؤتمر COP30 المرتقب في بيليم، مؤكدا أن “الاختيار الذكي هو الاستثمار في التكيف الآن لحماية الأرواح والاقتصادات قبل أن تصبح الكلفة مضاعفة أضعافا”.

“العالم يتهيأ للصمود المناخي، لكن من دون الوسائل الكافية لتحقيقه”، بهذه العبارة اختتم التقرير تقييمه لسنة 2025، ملخصا مأزق البشرية بين وضوح الرؤية وندرة الموارد.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)

    نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

    موافق