الشاي مشروب منعش وممتع ومنبه، ويعد أشهر مشروب في العالم وثاني أكثر المشروبات استهلاكا بعد الماء. يصادف اليوم العالمي للشاي 21 ماي من كل سنة.
الصينيون هم أول من اكتشف الشاي. ويحكى أن سبب اكتشافه يعود إلى امبراطور صيني كان يدعى شين نونغ؛ هذا الأخير من عاداته شرب الماء المغلي، وذات مرة سقطت أوراق الشاي في ماء شربه فأكسبته لونا ذهبيا فشربه وأنعشه وبقي على عادته حتى صار شعب الصين يشربه اقتداء بالإمبراطور، ومن تم انتشر في كل العالم.
وتبقى الصين أكثر بلدان العالم انتاجا للشاي، تليها الهند وكينيا وسيريلانكا وتركيا واندونيسيا وفيتنام واليابان وإيران والأرجنتين. هذا السائل السحري تتفنن مختلف شعوب العالم في تحضيره بطرق مختلفة، خاصة الصين واليابان وبريطانيا والمغرب.
وصل الشاي بلاد المغرب مطلع القرن الثامن عشر الميلادي، عبر أبواب قصر السلطان مولاي اسماعيل الذي يتودد إليه قادة أوروبا بتقديم هدايا من ضمنها أجود أنواع الشاي. ويحكي عبد الكبير المجذوب الفاسي في كتاب تذكرة المحسنين بوفيات الأعيان وحوادث السنين أن أول من ذاق طعم الشاي هو الأمير زيدان بن اسماعيل، بعد أن وصفه له طبيب مسيحي علاجا لمرض ألمَّ به. وهناك رأي يقول بأن الشاي كان يصل المغرب عبر ميناء الصويرة، حتى بات الشاي مقرونا باسم المدينة.
الشاي أنواع وأشكال، منه الشاي الأخضر، والاسود، والأحمر، والأصفر، والأبيض. ولكن يبقى الأخضر هو الشاي المفضل عند كثير من الشعوب، خاصة المغاربة. وقد قام الإنجليز بتحلية الشاي بالسكر قبل أن يقتبس منهم المغاربة ذلك، ثم أضاف أهل المغرب النعناع كمنسم ملائم للشاي الذي صار، في ما بعد، عنوانا لكرم الضيافة عند معظم الأسر المغربية، خاصة في فصل الربيع والصيف.
وفي فصل الشتاء يضيف المغاربة الشيبة للشاي للتسخين، وينسم عند بعض النبلاء بالزعفران أو الياسمين. وقد ألهم هذا المشروب السحري الكثير من الشعراء عرب أو أمازيغ، فجادت قريحتهم بأبيات في مدحه ووصفه واعتماده للرمزية في التشبيه. ومن أروع ما قيل عن الشاي ما ورد في أرجوزة عبد السلام الزموري الفاسي، يقول مطلعها : “الحمد لله الذي نَعَّمنا، بكل مطعوم به أطعمنا. وكلِّ مشروب لذيذٍ أطيبِ، حُلوِ حلالٍ كالغمام الصَّيِّبِ. مثل الأتاي الوندريز مَذهَبَه، على صفا صينية مُلتَهِبَة. تَطَايَر الهمُّ لديهِ وانشرَح، صدرُ الذي يشرَبُه من الفرح.” وقال عنه سليمان الحوات الشفشاوني: “دعوا شربكم للخمر فهو مسكر، وفي الشرع كل المسكرات حرام. وهيموا بشربكم أتاي فإنه، حلال وليس في الحلال ملام. وكونوا عليه مدمنين لأنه، شفاء النفوس إن عراها سقام”.
وفي صحراء الجنوب المغربي يكتسي الشاي أهمية كبرى في مختلف المناسبات وكل الجلسات، ومن ثقافة الشاي عند أهل الجنوب اشتراط ثلاث “جيمات” لتكتمل جلسة الشاي، جماعة وجمر وجر. أما الجماعة فمجموعة من الناس، وأما الجمر فيستحسن لطبخ الشاي على مهل، أما الجر فيرجى التأني وإقامة الشاي على مهل بدل التسرع الذي يفسد جلسة الشاي. ويشترط تحضير ثلاثة أباريق في كل جلسة وثلاثة كؤوس لكل فرد، الأول يكون حارا ولاذعا والثاني أحلى منه والثالث أكثر حلاوة. ويشترط في الشخص الذي يتولى أمر الصينية أن يكون مقبول الشكل وبشوش الملامح. وقد أسال “أتاي” الكثير من المداد شعرا بالحسانية في هذا الباب، ومما قيل فيه : أتاي الزين وبالجود، نشرب كاس خوف تعكاس. وأتاي الوجه المعكود، ما هو فال نشرب كاس”.
أما أتاي في الأطلس فتحضر أدواته كاملة، المجمر والمقراج والمغسل ومستلزمات الصينية، من برّاد، كؤوس، ربيعة السكر والشاي، وملعقة خاصة تفاديا للمس حبوب الشاي باليد، لأن له حساسية شديدة من الروائح. عادة ما يقع الاختيار على رجل نظيف وأنيق يتميز بحاسة شم فائقة، شديد الحرص على الصينية.
يحكى أن رجلا زار إحدى قرى الأطلس الكبير وحضر مناسبة فلاحظ أن كفيفا أنيقا هو صاحب الصينية. استهجن الأمر وقال في نفسه أليس في هذا القوم شاطر غير الكفيف؟، ماذا لو سقط شيء في الإبريق، كيف سيراه؟، دفعه الفضول إلى وضع ورقة تِبن في الإبريق لامتحان الكفيف؛ وبعد أن تهيأ الأخير للتحضير غسل يديه وتحسس الإبريق وشم رائحته فطلب تغيير الإبريق لأن فيه رائحة التبن. خجل الضيف من نفسه واستحسن اختيار الكفيف كقائد كفء للصينية.
من أدب الشاي النظافة، وتقديم الكأس بمسكه من الأسفل، ولا يجوز مسكه من الأعلى حفاظا على نظافة الجزء العلوي من الكأس الذي يلامس الشفاه. لا ينبغي شرب الكأس كاملا، بل يجب ترك القليل منه. يجب أن تكون الجرعة معتدلة، ولا تجوز الغرغرة به. لا يُملأ الكأس كاملا وإلا تعرض الساقي للسخرية.
أتاي في الشعر الأمازيغي : أَدْ نَاوْلْ أُورْ نْنِّي أَدْ نْسِّيرْدْ أُورْ نْنِّي، أَدَّايْ دَا نْسْ أَتَايْ أُورِي إِكِي رَبِّي. بمعنى: لن أتزوج ولن أعتني بمظهري، ما دمت أشرب الشاي فلا شيء يهمني. وقيل أيضا: دَا تْطْمْعْتْ أَتَافْتْ أَتَايْ آ لْقْهْوَة، أُوْرْدَا كُومْتْ إِسَّا خْسْ أُونَّا كْ إِلاَّ أُوْزْبَارْ. بمعنى: أتطمع القهوة أن تكون خيرا من الشاي؟ كلاّ، لا يشربها غير من به وجع. وقيل فيه: أُونَّا إِنَّانْ إِسْنْ إِوَاتَايْ إِعْدْلْ إِبُو الطِّيرْ، مَا بُو خَمْسَة نْ إِثْرَانْ إِعْدْلْ أُوبْرَّادْ إِخْفْ نْسْ. بمعنى: من يظن نفسه يحسن الشاي فليتقن نوع الطائر، أما صاحب خمسة نجوم فالبراد يتقن نفسه. وقيل أيضا : “أُورْ إِسْتَاهْلْ وَاتَايْ نْ جَوْدَة النَّعْنَاعْ، وَلاَ سْتَاهْلْنْ أَتِيدْ إِقَامْ بُو إِرْكَانْ” بمعنى :شاي الجودة لا يحتاج النعناع، ولا يجوز أن يحضٍّره شخص نجس.