نظم المجلس العلمي الأعلى لقاء تواصليا يوم الأحد 09 فبراير الجاري بمقره بالرباط، حيث ألقى خالد آيت الطالب، وزير الصحة والحماية الاجتماعية السابق، كلمة سلط فيها الضوء على أهمية الوازع الديني في تحقيق التنمية وتعزيز الصحة، مشيرا إلى أن الصحة تعد ركيزة أساسية في التنمية البشرية والاجتماعية.
وأكد آيت الطالب أن الصحة نعمة وهبة إلهية، وأحد المقاصد الشرعية التي أمر الإسلام بحفظها، إلى جانب الدين والعقل والمال والعرض، مشددا على أن الحفاظ على الصحة مسؤولية جماعية تتطلب تكامل السياسات الصحية مع التوجيه الديني، الذي يحث على اتباع سلوكيات صحية سليمة، بما يعزز الوقاية ويحد من انتشار الأمراض.
وعرض الوزير السابق منهج الإسلام المتكامل في الوقاية الصحية، مشيرا إلى أن التعاليم الدينية تدعو إلى النظافة والطهارة، والاعتدال في الأكل والشرب، والابتعاد عن المحرمات الضارة مثل المخدرات والخمر، مستشهدا بحديث النبيﷺ: “تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء“، ومؤكدا أن الإسلام يدعو إلى البحث عن العلاج واتخاذ التدابير الوقائية لضمان سلامة الأفراد والمجتمع.
وأبرز المتحدث نفسه، أن التنمية الحقيقية تستند إلى بناء أفراد أصحاء، حيث أوضح أن الصحة ليست مجرد غياب المرض، بل تشمل السلامة الجسدية، النفسية، والاجتماعية، وفق تعريف منظمة الصحة العالمية. واعتبر أن هذا المفهوم ينسجم مع مقاصد الشريعة الإسلامية، التي تولي أهمية كبرى لحماية النفس والجسد.
واستعرض الوزير السابق دراسات علمية حديثة تؤكد أن الوقاية الصحية تقلل نسب الإصابة بالأمراض المزمنة والمعدية، مبرزا أهمية اتباع نمط حياة صحي يشمل النشاط البدني المنتظم، والتغذية المتوازنة، والابتعاد عن العادات الضارة كالتدخين والإفراط في استهلاك السكر والدهون، موضحا أن الكشف المبكر عن الأمراض، مثل السرطان، يمكن أن يخفض معدلات الوفيات بنسبة 30%، فيما يؤدي الإقلاع عن التدخين إلى تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب إلى النصف خلال عامين فقط.
وتحدث آيت الطالب عن أهمية الصحة النفسية في تحقيق الاستقرار الاجتماعي، مشيرا إلى أن الإيمان والتوجيه الديني السليم يساهمان في تقليل معدلات القلق والاكتئاب، وتعزيز الشعور بالطمأنينة، مستدلا بقوله تعالى: “ألا بذكر الله تطمئن القلوب“، وموضحا أن الذكر والصلاة والتأمل تساهم في تحقيق التوازن النفسي والعاطفي، مما ينعكس إيجابيا على الإنتاجية والاستقرار المجتمعي.
وشدد المسؤول الحكومي السابق، على دور التكافل الاجتماعي في ضمان الرعاية الصحية للجميع، مؤكدا أن الإسلام جعل التضامن مبدأ أساسيا في تحقيق العدالة الصحية. وأشاد بالمشروع الملكي للحماية الاجتماعية الذي أطلقه الملك محمد السادس، والذي يهدف إلى تعميم التغطية الصحية وتعزيز العدالة الاجتماعية.
وأوضح أن تعميم التغطية الصحية يمكن أن يخفض الإنفاق المباشر على الصحة بنسبة تتراوح بين 20% و40%، مما يخفف الأعباء المالية على الأسر محدودة الدخل، ويساهم في تحسين المؤشرات الصحية وتقليل نسب الوفيات.
وناقش البروفسور نفسه، العلاقة بين الصحة والبيئة، مشيرا إلى أن التلوث يمثل تحديا صحيا خطيرا، حيث يتسبب في وفاة أكثر من 7 ملايين شخص سنويا نتيجة أمراض الجهاز التنفسي والقلب، مؤكدا أن الإسلام دعا إلى الحفاظ على البيئة وعدم الإفساد في الأرض، مستشهدا بقوله تعالى: “ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها“. ودعا إلى تبني سياسات تنموية مستدامة تقلل التلوث وتحمي الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.
وشدد الأستاذ الجامعي، على أن تحقيق التنمية المستدامة يتطلب رؤية شاملة، تأخذ بعين الاعتبار الصحة كعنصر محوري في استقرار المجتمعات وتقدمها، مؤكدا أن الخطاب الديني يمكن أن يكون أداة قوية لتعزيز الوعي الصحي وترسيخ السلوكيات الإيجابية التي تحمي الأفراد والمجتمعات من المخاطر الصحية.
ودعا المتحدث إلى تبني الوقاية كأسلوب حياة، وتعزيز قيم التكافل الاجتماعي لضمان استدامة الإصلاحات الصحية، مشيرا إلى أن الإسلام بمنهجه المتكامل يرسخ ثقافة التوازن والمسؤولية في الحفاظ على الصحة، مما يساهم في بناء مجتمع قوي ومزدهر.