بعد سنوات من الجفاف القاسي، عاد المطر ليسقي الأرض العطشى، لكن السؤال الكبير يظل قائما: هل تكفي هذه التساقطات لإنقاذ الموسم الفلاحي، أم أنها مجرد استراحة قصيرة لأزمة مائية طويلة الأمد؟
شهد المغرب خلال الأسابيع الأخيرة، وبعد سنوات متتالية من الجفاف الحاد، تساقطات مطرية مهمة جددت آمال الفلاحين والساكنة في تحسن الوضع المائي وعودة التوازن للمنظومة الفلاحية. هذه الأمطار، التي جاءت بعد فترة طويلة من الشح، ساهمت في رفع نسبة امتلاء بعض السدود وتحسين المراعي، غير أن تأثيرها لا يزال محدودا أمام العجز الهيكلي الذي يعاني منه المغرب في موارده المائية.
ورغم الأثر الإيجابي لهذه التساقطات، فإنها لم تكن موزعة بشكل متوازن على مختلف الأحواض المائية، كما أن نسبة امتلاء السدود لم تشهد سوى ارتفاع طفيف، مما يثير التساؤل حول مدى قدرة هذه التساقطات على تعويض النقص الكبير في المخزون المائي.
ويواجه المغرب، الذي يعتمد بشكل أساسي على الأمطار لتأمين موارده المائية، تحديات متزايدة نتيجة التغيرات المناخية، والاستهلاك المفرط للموارد المائية، مما يجعل قضية الأمن المائي في صدارة الأولويات الوطنية.
وفي هذا السياق، يطرح السؤال حول مدى تأثير هذه التساقطات على التخفيف من أزمة الجفاف، وانعكاساتها على الموسم الفلاحي، وما إذا كانت كافية لإنقاذ المحاصيل المهددة. كما يثار الجدل حول الحلول الممكنة لضمان تدبير مستدام للمياه في ظل التحديات البيئية والاقتصادية التي تواجه البلاد.
تباين في توزيع التساقطات واستمرار العجز المائي
وفي سياق متصل، أوضح إدريس عدة، الكاتب العام للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، في تصريح لجريدة إيكو ECO 17، أن نسبة ملء السدود، على الصعيد الوطني، وصلت إلى %37.57 بفضل التساقطات الأخيرة، إلا أن هذه النسبة تختلف من حوض مائي إلى آخر. فعلى سبيل المثال، بلغت نسبة امتلاء سدود حوض اللكوس 61.53%، في حين لم تتجاوز %10.32 في حوض أم الربيع. أما سدود حوض سوس ماسة، التي تفوق سعتها 731.22 مليون متر مكعب، فلم تمتلئ سوى بنسبة %22.33. مضيفا أن التساقطات الأخيرة لم ترفع نسبة ملء السدود سوى بنسبة % 0.19 (علما أن العديد من السدود الصغرى تجاوزت نسبة الملأ فيها 100%)، مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية، مما يعني أن العجز المائي لا يزال قائما، خاصة وأن المغرب سجل نقصا بنسبة 75% في الواردات المائية خلال السنة الماضية.
التساقطات وأثرها على الموسم الفلاحي
وأكد عدة، بخصوص تأثير هذه التساقطات على حالة الجفاف التي يعاني منها المغرب، أن البلاد لا تزال تواجه خصاصا كبيرا في احتياطي المياه، بالنظر إلى الاستنزاف المهول للفرشة المائية وعدم كفاية التساقطات المطرية والثلجية لتغطية الطلب المتزايد، خصوصا في القطاع الفلاحي، الذي يستهلك أكثر من 85% من إجمالي الموارد المائية. كما أشار إلى أن المساحات الفلاحية الموجهة نحو الأسواق الخارجية استفادت أكثر من هذه التساقطات، في حين أن المناطق التي تعتمد على الأمطار الموسمية لا تزال تعاني من نقص حاد، مما يهدد الإنتاج المحلي للحبوب. ومع ذلك، أبدى تفاؤله بشأن انتعاش المراعي في الأطلس المتوسط وتحسن زراعة بعض المحاصيل الربيعية مثل الذرة وعباد الشمس والخضر.
إجراءات ضرورية لضمان الأمن المائي والفلاحي
وشدد الكاتب العام للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، حول الحلول الممكنة للتخفيف من تداعيات الجفاف، على ضرورة تغيير السياسات الفلاحية المعتمدة، حيث دعا إلى إعطاء الأولوية للأمن الغذائي الوطني، بدلا من التركيز على الفلاحة التصديرية التي تستهلك كميات هائلة من المياه، مركزا على أهمية دعم الفلاحين الصغار، الذين يزودون الأسواق الوطنية بحوالي 75% من الإنتاج الفلاحي، وذلك من خلال تطوير الفلاحة العائلية، وتعزيز البحث العلمي لإنتاج بذور وسلالات نباتية وحيوانية تتكيف مع المناخ المحلي. بالإضافة إلى ذلك، دعا عدة إلى إعادة إحياء مؤسسات الإرشاد والاستشارة الفلاحية، واستقطاب الشباب إلى القطاع الفلاحي لمواجهة شيخوخة اليد العاملة في المجال القروي.
ففي ظل استمرار العجز المائي، ورغم التحسن الطفيف الذي سجلته السدود بفضل التساقطات الأخيرة، لا يزال المغرب بحاجة إلى استراتيجية مائية وزراعية أكثر استدامة. فالأمطار وحدها لن تكون كافية لسد الفجوة المائية المتزايدة، ما لم يتم تبني سياسات جديدة تركز على تدبير الموارد المائية بشكل عادل ومستدام، وتوجيه الإنتاج الفلاحي نحو تلبية حاجيات السوق المحلية وضمان الأمن الغذائي للمغاربة.