تقدمت الحكومة البرازيلية في خطوة مثيرة للجدل، بمشروع للتنقيب عن النفط في منطقة هامة من الأمازون قبالة
سواحل ولايتي أمابا و ريو غراندي دو نورتي، هذا المشروع، الذي تقوده شركة “بتروبراس”، والذي يعتبره لولا دا سيلفا، الرئيس البرازيلي، فرصة لتمويل انتقال البرازيل نحو الطاقة المتجددة.
ويرفض النشطاء البيئيون هذا الطرح بشدة، مؤكدين أن الحكومة لم تضع آليات واضحة لاستثمار عائدات النفط في تطوير الطاقات النظيفة، مشددين على أن ذلك يتناقض مع التزامها بحماية البيئة.
وأصبح هذا التناقض أكثر وضوحا بعد إعلان البرازيل انضمامها إلى ثلاث هيئات دولية للطاقة، من بينها ميثاق التعاون بين الدول المنتجة للنفط التابع لمنظمة أوبك+”OPEC+”، مما أثار مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى ضغوط أكبر لتوسيع مشاريع الوقود الأحفوري، فبينما يسعى لولا لتحقيق مكاسب اقتصادية من النفط، نجده يهدف في الوقت ذاته للحفاظ على صورة البرازيل كداعم رئيسي للجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي، وخاصة مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر COP30 في بيليم الأمازوني.
وبالرغم من تصريحات لولا عن حق البرازيل في استغلال مواردها الطبيعية، مثلما تفعل الدول الغربية، إلا أن هناك شكوكا في نوايا الحكومة بعد أن رفضت وكالة إيباما البرازيلية المقترح الأول لشركة بتروبراس في ماي 2023، للتنقيب عن النفط في الكتلة 59 قبالة سواحل ولاية أمابا. وتبقى الموافقة على رخصة التنقيب قيد المراجعة، مع توقعات بأن تتخذ الوكالة قرارها بعد مارس 2025.
ونشير إلى أن لولا حقق خلال السنتين الأوليتين من ولايته الثالثة، بعض الإنجازات البيئية الهامة، مثل تقليص معدلات إزالة الغابات في الأمازون ورفع أهداف خفض الانبعاثات، لكن الدراسات البيئية تحذر من أن استغلال احتياطيات النفط في الأمازون قد يهدد هذه المكاسب.
وتشير تقديرات الباحثين إلى أن التنقيب عن النفط في السواحل الأمازونية قد يؤدي إلى انبعاثات كافية لتقويض الفوائد البيئية التي تحققت حتى الآن.
وفي هذا السياق، يزداد التناقض بين المساعي الاقتصادية للبرازيل والجهود البيئية في ظل تعيين دافي ألكولومبري، المدافع عن استخراج النفط، رئيسا لمجلس الشيوخ في فبراير، هذا التعيين قد يزيد من الضغط على إيباما للموافقة على المشروع، حيث سبق للوكالة أن واجهت انتقادات من لولا بسبب تأخرها في اتخاذ قرار.
و تواجه المشاريع النفطية في الأمازون معارضة شديدة من المنظمات البيئية والشعوب الأصلية، التي ترى في التنقيب تهديدا مباشرا لبيئتها ولحياتها، فبعض هذه المجتمعات تعيش في مناطق قريبة من السواحل التي يعتقد أنها تحتوي على احتياطيات النفط.
وحذر سيلة مسكيتا، منسق شبكة عمل الأمازون (GTA)، من أن أي تسرب نفطي في هذه المناطق سيكون له عواقب كارثية على الحياة البحرية والمجتمعات الساحلية، كما عبرت تنسيقية المنظمات الأصلية في الأمازون البرازيلي (COIAB) عن قلقها من أن التنقيب عن النفط يشكل تهديداً لحقوق الشعوب الأصلية ولبيئتهم التي تعيش فيها.
من جهة أخرى، لم تستجب بتروبراس بعد لمخاوف المجتمعات الأصلية، وفقا للاتفاقية 169 لمنظمة العمل الدولية التي تفرض على الحكومة البرازيلية ضمان التشاور مع السكان الأصليين بشأن المشاريع التي تؤثر على أراضيهم ومواردهم.
وانسحبت شركتا توتال الفرنسية وBP البريطانية من خطط التنقيب في المنطقة بعد فشلهما في الحصول على التراخيص البيئية اللازمة، ومع ذلك، أكدت بتروبراس في نهاية سنة 2024 أن مقترحها المعدل يستوفي جميع متطلبات إيباما.
وتعتبر وكالة إيباما أن منطقة الكتلة 59 التي يتم التنقيب عنها هي منطقة “حساسة بيئيا للغاية”، وأن مخاطر التنقيب هناك عالية بسبب وجود تيارات بحرية قوية. ومع ذلك، تتوقع الحكومة البرازيلية أن يزداد إنتاج النفط بشكل كبير، حيث تقدر بتروبراس احتياطيات النفط في الهامش الاستوائي بـ 10 مليارات برميل، ما يمثل إضافة ضخمة إلى الاحتياطي البرازيلي البالغ 15.9 مليار برميل في سنة 2023.
وفي ظل هذه التطورات، تتزايد التحذيرات من أن زيادة إنتاج النفط يتناقض بشكل كبير مع جهود البرازيل في مكافحة التغير المناخي، فقد شهدت البلاد زيادة بنسبة 460% في الكوارث المرتبطة بالمناخ منذ التسعينيات، مما يعكس هشاشة البيئة البرازيلية أمام التغيرات المناخية.
ويخشى المنتقدون أن يفتح ذلك الطريق لمزيد من مشاريع التنقيب في مصب الأمازون، إذا تمت الموافقة على رخصة التنقيب في الكتلة 59، وفي يونيو 2025، من المتوقع أن تنظم وكالة البترول البرازيلية مزادا يعرض 332 كتلة استكشافية في أنحاء البلاد، من بينها 47 في حوض مصب الأمازون.
وستجذب بتروبراس مشاريع أخرى لشركات نفطية مهتمة بالتوسع في المنطقة إذا ما حصلت على الموافقة في الوقت المناسب.
يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع البرازيل الجمع بين طموحاتها الاقتصادية في مجال النفط والتزامها بحماية البيئة؟ وهل سيؤثر هذا المشروع على مصداقية الحكومة في مجال العمل المناخي؟