هل يمكن للتقلبات الجوية الأخيرة أن تكون بداية لمرحلة جديدة من التغيرات المناخية في المغرب؟ وكيف سيتعامل البلد مع التحديات المقبلة في ظل هذه الاضطرابات المستمرة؟
شهد المغرب في الأسابيع الماضية اضطرابات جوية غير معتادة، حيث تسببت منخفضات جوية نشطة في تساقطات مطرية غزيرة شملت عدة مناطق، خصوصا في الشمال والوسط. ورغم أن بعض هذه التساقطات قد ساهمت في تحسين الوضع المائي في البلاد، فإنها لا تعني بالضرورة نهاية أزمة الجفاف التي يعاني منها المغرب منذ سنوات.
يرتبط هذا التغير الجوي بظواهر المناخ العالمي التي تشير إلى تسارع التغيرات المناخية، فقد كانت التساقطات المطرية الأخيرة نتيجة تفاعل عدة عوامل، أبرزها عودة النشاط المنخفضاتي القادم من المحيط الأطلسي، بالإضافة إلى ضعف تأثير الحاجز الآصوري الذي كان يمنع وصول الكتل الهوائية الرطبة إلى المملكة.
إن تزايد التقلبات الجوية في المغرب بشكل ملحوظ، يعكس تأثير التغيرات المناخية العالمية على أنماط الطقس في المنطقة. وفي ظل هذه الظروف، تشهد المملكة اضطرابات جوية تتراوح بين تساقطات مطرية كثيفة وارتفاع درجات الحرارة، مما يؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية والموارد الطبيعية.
وفي هذا السياق، أجرت جريدة إيكو ECO 17، حوارات و مقابلات مع مجموعة من الخبراء في مجالات العلوم، الأرصاد الجوية والمناخ، الذين قدموا تحليلاتهم حول التأثيرات المحتملة لهذه الاضطرابات على المغرب، مؤكدين أن هذه الظواهر تعد جزءا من تغيرات أكبر تشمل البيئة العالمية، الشيء الذي يستدعي العمل على استراتيجيات للتكيف مع هذه التغيرات في المستقبل.
خبراء المناخ يجيبون
وفي هذا السياق، أكد محمد بنمخلوف، أستاذ علوم الأرض، بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، أن التساقطات الأخيرة سيكون لها تأثير إيجابي على الموارد المائية، ولكن هذا لا يعني أن موسم الجفاف قد انتهى.
فالتساقطات كانت مركزة في الشمال والغرب، كما أن حقينة السدود لم تتجاوز 36%، ما يعادل حوالي 6 مليارات متر مكعب؛ ومن المتوقع أن تساهم الثلوج في رفع هذه النسبة إلى 7 مليارات متر مكعب، لكن هذا التحسن ليس كافيا لسد الحاجة المائية، مضيفا أن التساقطات جاءت متأخرة، مما يطرح مشكلة التبخر، حيث إننا مقبلون على فصل الصيف، وبالتالي ستتبخر المياه المخزنة في السدود، ما يعني أننا بحاجة ضرورة بناء سدود إضافية وتعزيز الربط المائي بين المناطق لتحقيق توازن مائي على المستوى الوطني.
كما أوضح بنمخلوف أن التغيرات في الغلاف الجوي، فوق المحيط الأطلسي، تؤثر على تيارات المياه والتيارات البحرية من خلال عدة عوامل مترابطة. أولها الرياح التي تلعب دورا كبيرا في حركة المياه بالمحيط، والتي تتسبب في تكوين الأمواج، مما يؤثر بدوره على التيارات البحرية. ثانيها، الضغط الجوي الذي يؤثر على مستوى سطح البحر، إذ أن الضغط الجوي المرتفع يؤدي إلى انخفاض في مستوى سطح البحر، بينما الضغط الجوي المنخفض يؤدي إلى ارتفاعه. ثالثا، درجة الحرارة التي تؤثر على كثافة المياه، فارتفاع درجة الحرارة يقلل من كثافة المياه، مما يسبب تغييرات في حركة التيارات البحرية. رابعا، التبخر الذي يؤثر على مستوى سطح البحر، حيث يؤدي التبخر المرتفع إلى تراجع مستوى سطح البحر. و خامسا وأخيرا، هطول الأمطار الكثيف الذي يعمل على رفع مستوى سطح البحر.
كل هذه العوامل، حسب بنمخلوف، تؤثر بشكل متكامل على تيارات المحيط، مثل تيار الخليج الذي يؤثر على مناخ أوروبا الشمالية، وتيار الكناري الذي يؤثر على مناخ شمال إفريقيا، بالإضافة إلى تيار المحيط الأطلسي العميق الذي يلعب دورا هاما في دورة المحيطات العالمية، بحيث تؤدي هذه التغيرات في التيارات، إلى تأثيرات بيئية ومناخية مثل التغيرات في درجات الحرارة، الفيضانات، والجفاف، الشيء الذي يعكس العلاقة الحيوية بين الغلاف الجوي والتيارات البحرية.
وأشار الأستاذ الجامعي، كذلك، إلى أن التغيرات في الغلاف الجوي قد تؤدي إلى مواسم أكثر تقلبا في المستقبل، حيث يتوقع أن تكون هناك فصول متقلبة، مع تغيرات في توزيع الأمطار وكثافتها، وذلك للأسباب التالية:
• تغيرات في درجات الحرارة، سواء من حيث الارتفاع العام أو التباين الحراري، مثل ربيع بارد أو شتاء حار.
• تغيرات في أنماط الطقس، مما قد يؤدي إلى اضطراب الفصول وتأخر أو تقدم الأمطار.
• تغيرات في أنماط الرياح، التي قد تؤثر على توزيع التساقطات وكثافتها.
• تغيرات في النظم الإيكولوجية، سواء من حيث توزيع وتكاثر الحيوانات والنباتات أو في الدورات الهيدرولوجية.
• تغيرات في مواسم الزراعة، حيث إن تأخر أو غياب الأمطار في الوقت المناسب يؤدي إلى تغير في الإنتاجية ونسب المحاصيل.
في السياق ذاته، حول التقلبات الجوية التي يعاني منها المغرب مؤخرا، يرى الحسين يوعابد، مسؤول التواصل بالمديرية العامة للأرصاد الجوية، أن المرتفع الآصوري، عندما يكون قويا، فإنه يعمل كحاجز يمنع وصول المنخفضات الجوية الممطرة إلى المغرب، مما يؤدي إلى فترات جفاف طويلة. وفي المقابل، عندما يضعف هذا المرتفع أو يتحرك، يسمح بمرور المنخفضات الجوية، الشيء الذي يؤدي إلى تساقطات مطرية، مؤكدا أن الوضع الحالي يشير إلى تراجع المرتفع الآصوري منذ أواخر فبراير، مما سمح للتيارات الأطلسية الرطبة في التأثير على المغرب.
وأضاف يوعابد أن تحول تذبذب شمال الأطلسي إلى المرحلة السلبية منذ 28 فبراير ساعد في توجيه المنخفضات الجوية نحو المغرب. كما لعبت المنخفضات القطبية الأطلسية دورا رئيسيا في جلب كميات كبيرة من الأمطار والثلوج. مشيرا إلى أن ظاهرة النينيا لم يكن لها تأثير مباشر على هذه الاضطرابات، بحيث أظهرت الدراسات أن تأثيرها على المغرب متقلب وغير ثابت.
وفيما يخص التوقعات المستقبلية، أكد يوعابد أن التغيرات الجوية في الفترة القادمة ستستمر في التأثير على الوضع المناخي في البلاد، وذلك نتيجة تمركز منخفض جوي جديد بداية هذا الأسبوع شمال غرب البلاد، مصحوب بتيارات هوائية باردة ورطبة قادمة من المحيط الأطلسي، همت أمطار ورياح متفاوتة الحدة، بالمناطق الشمالية والوسطى؛ فيما تشير التوقعات متوسطة المدى، بحسب المسؤول ذاته، إلى أن شهري مارس الحالي والأسبوع الأول من بداية أبريل القادم سيقاربان أو يتجاوزان المعدلات الشهرية الاعتيادية، من حيث كمية التساقطات المطرية، لشهري مارس وأبريل، للفترة الزمنية الممتدة من 1991 الى 2020، مع طقس متغير.
وفي سياق متصل، أوضح جلال المعطى، والخبير في المناخ والبيئة، في تفسيره للنشاط المطري الأخير، في إطار التغيرات المناخية الكبرى، أن المغرب شهد اضطرابات جوية ناتجة عن منخفض جوي في المحيط الأطلسي، مما أدى إلى دخول كتل هوائية باردة تسببت في تساقطات مطرية مهمة، مصحوبة برياح قوية خلال هذه الفترة، مؤكدا أن هناك علاقة بين التغيرات المناخية الكبرى التي يعرفها الغلاف الجوي وهذه الظواهر المسببة للأمطار و الثلوج، بحيث تؤثر التغيرات المناخية، الناتجة عن ارتفاع تركيز الغازات الدفيئة والانبعاثات، على ديناميكيات الكتل الهوائية.
كما فسر جلال المعطى، أن هذه التساقطات أتت متأخرة، لأننا نقترب من دخول فصل الربيع، و هو ما يفيد بأن الاضطرابات الجوية، التي يعرفها المغرب، ناتجة بشكل مباشر أو غير مباشر عن التغيرات المناخية العالمية وارتفاع تركيز الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون (CO₂) والميثان (CH₄) وبالتالي، هناك علاقة واضحة بين التغيرات المناخية والتأثير على توزيع الكتل الهوائية، وسرعتها، وترددها، مضيفا أننا شهدنا في الأيام الأخيرة تساقطات مطرية قوية في فترة وجيزة، والتي تسمى بـالظواهر القصوى، حيث تصبح التساقطات المطرية مكثفة في وقت قصير، وهو ما يعكس أيضا مظهرا من مظاهر التغيرات المناخية.
وأشار الخبير المناخي إلى أن ظاهرتي النينيا والنينيو لهما تأثير واضح على أنماط الطقس، حيث تتسببان تغيرات في درجات الحرارة والتساقطات من منطقة إلى أخرى، مضيفا أنه رغم ارتباط هذه الظواهر أساسا بالمحيط الهادئ والهندي، فإن تأثيراتهما تمتد إلى مناطق أخرى، بما في ذلك المحيط الأطلسي والمغرب، والتي ينتج عنها تغييرات في توالي الفصول، توقيت التساقطات، ومدد ارتفاع درجات الحرارة، وهو ما يفسر دورها في التأثير على الطقس والمناخ.
وفيما يخص ربط هذه الظواهر الجوية بالمؤشرات طويلة المدى لاضطراب المناخ العالمي، أكد جلال المعطى أن تغير المناخ أصبح حقيقة ثابتة، بحيث تشير التقارير الأخيرة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وخاصة التقرير السادس الصادر بين سنتي 2022 و2023، إلى الارتفاع المستمر في درجات الحرارة في المستقبل، بالإضافة إلى الاضطرابات المتزايدة في أنماط التساقطات من حيث التردد والشدة. وتعد هذه الظواهر الجوية الحالية تمظهرات للتغيرات المناخية بعيدة المدى، حيث تشير التوقعات المناخية الممتدة حتى سنتي 2050 و2100 إلى حدوث اضطرابات كبيرة في المناخ العالمي، وهو ما يستدعي ضرورة التعامل مع هذه الظواهر عبر استراتيجيات التخفيف كتقليل الغازات الدفيئة والتكيف مع آثارها.
وعلى الرغم من أن المغرب يساهم بنسبة لا تتجاوز 0.2% من الانبعاثات العالمية، إلا أنه يعاني بشكل كبير من آثار التغيرات المناخية. ولذلك، من الضروري تبني استراتيجيات للتكيف مع هذه الآثار، حتى وإن كانت التساقطات الأخيرة مهمة، إذ أنها ستنعش الفرشة المائية، وتحسن ظروف الفلاحة، وتوفر الكلأ للماشية؛ ورغم ذلك، فإنها لا تعوض ست سنوات متوالية من الجفاف وآثاره الوخيمة.
تمثل التساقطات المطرية الأخيرة بداية لتعزيز الموارد المائية، سواء للشرب أو للسقي، علما بأن المغرب ما يزال يعاني من ندرة المياه، مما يستدعي وضع استراتيجيات طويلة الأمد للتكيف مع التغيرات المناخية. من هنا، يضيف جلال المعطي، وجب التعامل مع الجفاف كظاهرة هيكلية، حيث لا تعتبر هذه التساقطات حلا نهائيا، بل تعويضا جزئيا لنقص طويل الأمد، مع ضرورة الاستعداد لمواجهة آثار التغيرات المناخية في المستقبل.
إن استمرار التقلبات الجوية في المغرب، يعكس تأثير التغيرات المناخية على أنماط الطقس في المنطقة، رغم كون الأمطار الأخيرة قد ساعدت في تحسين الوضع المائي، إلا أنها لا تعوض سنوات الجفاف التي مر بها المغرب. ويجب أن يتم العمل على استراتيجيات للتكيف مع هذه التغيرات على المدى الطويل، بما في ذلك تعزيز البحث العلمي وتطوير البنية التحتية لإدارة الموارد المائية.