تواجه الأنهار الجليدية في العالم، التي تشكلت منذ آلاف السنين خلال العصر الجليدي الأخير، خطرا وجوديا غير مسبوق، فقد كشفت دراسة علمية حديثة أن أكثر من 50% من الأنهار الجليدية على كوكبنا قد تختفي بحلول نهاية هذا القرن.
وقام فريق بحثي من المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ وجامعة بروكسل الحرة بدراسة شاملة لتأثير انبعاثات الكربون على الأنهار الجليدية البالغ عددها 200 ألف نهر. ووفقا للدراسة، فإن السيناريوهات المتعلقة بالانبعاثات العالية تظهر أن 54% من هذه الأنهار قد تفقد كتلتها، بينما ترتفع النسبة إلى 75% بالنسبة للأنهار الجليدية في جبال الألب.
ولا يقتصر ذوبان الأنهار الجليدية على فقدان مشهد طبيعي مذهل، بل يمتد ليشمل آثارا خطيرة على البشرية والبيئة. وأوضح البروفيسور هاري زيكولاري، رئيس فريق الدراسة، أن الأنهار الجليدية تلعب دورا حيويا في توفير المياه العذبة التي تعتمد عليها ملايين البشر، إلى جانب أهميتها في الحفاظ على التنوع البيولوجي ودعم الأنشطة الزراعية والصناعية.
وأشار الباحث نفسه، إلى أن ذوبان الأنهار الجليدية يساهم بشكل كبير في ارتفاع مستوى سطح البحر، مما يزيد من مخاطر الفيضانات التي تهدد المدن والبلدات الساحلية. كما يؤدي فقدان الأنهار الجليدية إلى تقليل قدرة الأرض على عكس أشعة الشمس، مما يعزز ظاهرة الاحتباس الحراري.
وللتنبؤ بمستقبل الأنهار الجليدية، اعتمد الباحثون على بيانات تاريخية حول الكتل الجليدية وانبعاثات الكربون ودرجات الحرارة. ووفقًا للنماذج الحاسوبية التي استخدمها الفريق، يمكن أن تفقد الأنهار الجليدية 25% إلى 29% من كتلتها بحلول عام 2100 في حالة الانبعاثات المنخفضة، بينما قد تصل الخسائر إلى 46% إلى 54% في حالة الانبعاثات المرتفعة.
ورغم هذه التوقعات، فإن المناطق القطبية، مثل القطب الشمالي وأيسلندا، قد تحتفظ بجزء من كتلتها الجليدية، لكنها لا تزال تواجه خسائر كبيرة. أما الأنهار الجليدية في جبال الألب الأوروبية، فتعد الأكثر عرضة للخطر، مع توقع فقدان 75% من حجمها في ظل الانبعاثات العالية.
و أكد الفريق البحثي وجود عدم يقين بشأن التطورات المستقبلية للأنهار الجليدية، خاصة أن الدراسة ركزت على الأنهار الجليدية دون الصفائح الجليدية الكبرى، مثل تلك الموجودة في جرينلاند والقارة القطبية الجنوبية، والتي تحتوي على 99% من المياه العذبة على الأرض.
و أبرز البروفيسور زيكولاري الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات حاسمة للحفاظ على الأنهار الجليدية، مشيرا إلى أن تخفيض انبعاثات الكربون وتنفيذ سياسات بيئية مستدامة قد يساعدان في إبطاء تدهورها، مشيرا إلى أن التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، وزيادة الوعي العالمي بأهمية الأنهار الجليدية، وحماية النظم البيئية، خطوات ضرورية للتخفيف من الخسائر المتوقعة. و أن مصير الأنهار الجليدية في العالم يسلط الضوء على هشاشة كوكبنا أمام التغيرات المناخية، ما يجعل من الاستجابة العالمية أمرا لا مفر منه لضمان بقاء هذه الموارد الحيوية للأجيال القادمة.