أزمة المياه في العالم العربي: تحديات وجودية وحلول تتطلب تحركا عاجلا

ECO173 يناير 2025
أزمة المياه في العالم العربي: تحديات وجودية وحلول تتطلب تحركا عاجلا
أميمة أخي

يواجه العالم العربي أزمة مائية متفاقمة مع تصاعد التحديات المرتبطة بشح الموارد المائية، حيث تعاني المنطقة من جفاف مستمر، و زادت حدته بفعل النمو السكاني، التوسع العمراني، والتغيرات المناخية، مما يجعل الحاجة إلى استراتيجيات متكاملة لإدارة المياه أمرا ملحا.

وتشير التقارير إلى أن أكثر من 60% من سكان العالم العربي يعيشون في مناطق تعاني من ندرة المياه، حيث يتراوح نصيب الفرد السنوي من المياه بين 500 و1000 متر مكعب فقط، وهو أقل بكثير من المعدل العالمي البالغ 7000 متر مكعب، وأدت ظاهرة الاحتباس الحراري إلى تراجع معدلات هطول الأمطار وارتفاع التبخر، بينما تفاقمت موجات الجفاف، مما أثر سلبا على الموارد السطحية والجوفية.

وارتفع الطلب على المياه بشكل ملحوظ نتيجة النمو السكاني السنوي بنسبة 2%، ما أدى إلى استنزاف المخزون المائي بشكل خطير، وأكد الدكتور محمد الطاهر، أستاذ هندسة الموارد المائية بجامعة القاهرة، أن “الاعتماد المتزايد على المياه الجوفية يعد استنزافا غير مستدام قد يهدد الأمن المائي في المستقبل”.

و تعاني معظم الدول العربية من إجهاد مائي حاد، حيث تتجاوز نسب استغلال المياه الجوفية 100% في بلدان مثل السعودية واليمن، وتزداد الأمور سوءا مع تلوث الموارد المائية بسبب تسرب مياه الصرف الصحي والنفايات الصناعية، مما أدى إلى تدهور جودة الأنهار والبحيرات، و في هدا الصدد ذكرت المهندسة سعاد عبد الله، خبيرة بيئية، أن “التلوث الصناعي غير المنظم يجعل توفير مياه شرب آمنة تحديا كبيرا”.

وتتصاعد النزاعات حول الأنهار المشتركة، مثل نهر النيل بين مصر وإثيوبيا والسودان، ونهري دجلة والفرات بين العراق وتركيا وسوريا، ودعا الدكتور حسن الكيلاني، مستشار بمنظمة الأمم المتحدة للمياه، إلى “تأسيس منصات إقليمية للتعاون حول إدارة الأحواض المائية المشتركة”.

واستثمرت دول الخليج بشكل كبير في محطات تحلية المياه لتلبية احتياجاتها، وتعد السعودية والإمارات وقطر من بين الدول الرائدة في هذا المجال، كما بدأت دول مثل الأردن إعادة تدوير المياه العادمة لاستخدامها في الزراعة. وأوضح الأستاذ علي بن سالم، خبير السياسات المائية، أن “تقنيات التحلية والطاقة الشمسية توفر حلولا واعدة لتلبية الطلب المتزايد، مع ضرورة تطوير أنظمة ري ذكية لتقليل الهدر”.

وأطلقت الدول العربية سياسات مائية وطنية لزيادة كفاءة استخدام الموارد، ففي المغرب، تبذل جهود لبناء السدود واعتماد تقنيات ري حديثة، وفي سياق التعاون الإقليمي، تعمل منظمات مثل المجلس العربي للمياه على تعزيز التكامل في إدارة الموارد.

ويمثل رفع الوعي المجتمعي خطوة أساسية للتعامل مع الأزمة، حيث أكدت نادية الشناوي، رئيسة جمعية “الوعي المائي”، أن “نشر ثقافة ترشيد المياه يتطلب إدماج التربية المائية في المناهج الدراسية وتنظيم حملات توعية مستمرة”.

و بالرجوع للمغرب، اعتمدت المملكة المغربية خلال السنوات الأخيرة سياسة مائية متقدمة وشاملة تهدف إلى تعزيز استدامة الموارد المائية وتلبية الطلب المتزايد، ركزت هذه السياسة على عدة محاور رئيسية تشمل بناء البنية التحتية المائية، تحسين كفاءة استخدام الموارد، وتعزيز الابتكار.

وقام المغرب بتطوير شبكة متكاملة من السدود الكبيرة والمتوسطة، حيث تم بناء أكثر من 140 سدا كبيرا خلال العقود الماضية، إضافة إلى عشرات السدود الصغيرة، و تسهم هذه السدود في تخزين المياه لمواجهة فترات الجفاف وتأمين احتياجات الزراعة والشرب والصناعة.

و ركزت السياسات المائية على تحسين كفاءة استخدام المياه في القطاع الزراعي الذي يستهلك أكثر من 80% من الموارد المائية. تم تبني تقنيات الري بالتنقيط على نطاق واسع، مما أدى إلى تقليل الهدر وزيادة الإنتاجية الزراعية.

واستثمر المغرب في مشاريع تحلية مياه البحر، خاصة في المناطق الساحلية ذات الموارد المائية المحدودة مثل أكادير، معززا برامج إعادة تدوير المياه العادمة لاستخدامها في الري، مما يخفف الضغط على الموارد التقليدية.

وعملت الحكومة على تعزيز الوعي بأهمية ترشيد استخدام المياه من خلال حملات وطنية، إلى جانب تحديث التشريعات لضمان الاستخدام المستدام للموارد المائية.

و تمثل السياسة المائية المغربية نموذجا للتوازن بين إدارة الموارد الطبيعية والتنمية الاقتصادية، ومع استمرار التحديات المائية في المنطقة، يبقى الاستثمار في التقنيات الحديثة والتعاون الإقليمي والدولي عوامل أساسية لضمان استدامة الموارد المائية في المستقبل.

تعتبر سنة 2024 جرس إنذار للدول العربية لمواجهة أزمة المياه، مما تتطلب معه المرحلة المقبلة تعاونا إقليميا مكثفا، إلى جانب تطوير حلول مستدامة تعتمد على الابتكار، و يشكل الأمن المائي تحديا وجوديا يستدعي تحركا عاجلا لضمان استدامة الموارد للأجيال القادمة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق