آفاق جديدة لفهم تاريخ الدار البيضاء.. اكتشاف علمي حديث يعيد رسم حياة ما قبل التاريخ في موقع أهل الغلام

ECO176 ديسمبر 2025
آفاق جديدة لفهم تاريخ الدار البيضاء.. اكتشاف علمي حديث يعيد رسم حياة ما قبل التاريخ في موقع أهل الغلام

تفتح دراسة علمية حديثة الباب على مصراعيه لقراءة جديدة لتاريخ جهة الدار البيضاء، بعد أن أكد فريق بحث مغربي-أوروبي اكتشاف آثار قرد بدائي من نوع Theropithecus atlanticus يعود تاريخه إلى حوالي 2.5 مليون سنة في موقع أهل الغلام الواقع بضواحي العاصمة الاقتصادية. ويعد هذا الاكتشاف واحدا من أهم المفاتيح العلمية لفهم التنوع البيئي والجيولوجي الذي ميز المنطقة قبل ظهور الإنسان العاقل بوقت طويل.

الدراسة التي أنجزت بشراكة بين المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث  ومختبرات فرنسية من بينها “أرشيميد” بجامعة بول فاليري – مونبولييه 3، اعتمدت هذه المرة على تحليل تآكل الأسنان، وهي تقنية حديثة تسمح بإعادة تركيب النظام الغذائي للكائنات المنقرضة. وقد كشف التحليل أن هذا النوع من القردة كان يتغذى على خليط من النباتات الجافة والثمار القاسية، ما يعكس بيئة شبه قاحلة كانت تغطي سهول الدار البيضاء خلال العصر الجليدي المبكر.

ورغم أن موقع أهل الغلام معروف منذ نهاية التسعينيات بثرائه الأحفوري، خصوصا بعد بحوث 1998 التي أظهرت وجود قردة Theropithecus atlanticus لأول مرة في شمال إفريقيا، فإن الدراسة الجديدة تعد خطوة نوعية لأنها لا تكتفي بوصف العظام والأسنان، بل تعيد بناء الحياة البيئية للكائن وتحدد طبيعة موائله وقدرته على التكيف. وهو ما يمنح العلماء تصورا أوضح عن التغيرات المناخية الكبرى التي عرفها الساحل الأطلسي للمغرب خلال ملايين السنين.

ويكتسي الموقع أهمية استثنائية على مستوى القارة، إذ يضم أكثر من 80 نوعا من الحيوانات المنقرضة، ما يجعل أهل الغلام أرشيفا جيولوجيا مفتوحا يضيء فترات حرجة من تاريخ شمال إفريقيا. فبفضل هذه الاكتشافات، بات من الممكن فهم كيفية تغير المناخ، وكيف أثرت التحولات البيئية على تنوع الثدييات قبل ظهور المستوطنات البشرية الأولى في المنطقة.

وتؤكد فرق البحث أن هذه المعطيات العلمية ليست مجرد تفاصيل أحفورية، بل هي عناصر تسمح بفهم التاريخ الطبيعي للدار البيضاء، وتساعد في إعادة تشكيل مشهدها القديم، وتبرز أن هذا المجال الحضري الصاخب اليوم كان في زمن بعيد موطنا لقردة ضخمة، وضباع، وحيوانات منقرضة أخرى عاشت في بيئة مختلفة جذريا عن تلك التي نعرفها.

ومع استمرار التنقيبات والدراسات متعددة التخصصات، يتوقع الباحثون أن تسفر منطقة أهل الغلام عن اكتشافات إضافية ستعمق أكثر معرفة المغاربة والعالم بالجذور الجيولوجية والبيولوجية للمنطقة. وهو ما يجعل الدار البيضاء ليست فقط مدينة حديثة بنبض اقتصادي كبير، بل أيضا سجلا مفتوحا لتاريخ طبيعي يعود إلى ملايين السنين.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)

    نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

    موافق