أصدرت الوكالة الفرنسية للتنمية Agence française de développement تقريرا بعنوان إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة: حل استراتيجي لمواجهة الإجهاد المائي، شهر نونبر الماضي.
ويتحدث التقرير عن مناطق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط باعتبارها الأكثر تعرضا لآثار التغير المناخي، كما أنها تعاني من الإجهاد المائي بسبب زيادة الطلب والاستخدامات المختلفة لهذه المادة الحيوية.
وسلط التقرير الضوء على إعادة استخدام المياه العادمة في مجالات مختلفة ومتنوعة، كالزراعة والصناعة وبعض الاستعمالات المنزلية من خلال معالجتها، مما يساهم في تخفيف الضغط على الموارد المائية العذبة والتقليل من حدة الإجهاد المائي، لضمان الأمن الغذائي والصحي للدول التي تعتمد على الفلاحة بشكل كبير.
وتساعد إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة من الناحية البيئية، في تقليل استنزاف المياه الجوفية، وتخفيف الضغط على الفرشات والمجاري المائية، وبالتالي الحفاظ على التنوع البيولوجي المائي وخلق التوازن البيئي.
الاستخدامات الحالية للمياه العادمة
تشكل الفلاحة في المغرب القطاع الرئيسي الأكثر استفادة من إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة، وتليها الصناعة. و تعد مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط رائدة في هذا المجال بالمغرب، بحيث تستخدم في مواقعها المنجمية المياه المعالجة، في حين تبقى الاستعمالات السكنية محدودة، لكونها تقتصر فقط على سقي المساحات الخضراء الحضرية.
وتسعى الكويت إلى تعويض ندرة الموارد المائية من خلال تسهيل الاستثمارات في إعادة استخدام المياه العادمة.
وطورت الإمارات العربية المتحدة، نموذجا متكاملا للموارد المائية يجمع بين إعادة استخدامها من جهة وتحليتها من جهة أخرى، حيث اعتمدت سنة 2019 سياسة للمياه المعالجة تفرض معايير جودة صارمة، وتشجع شركات توزيع المياه على زيادة استخدامها في الأغراض غير الصالحة للشرب.
وتواجه دول شمال إفريقيا تحديات كبيرة في تنفيذ سياسات فعالة لإعادة الاستخدام وتنفيذ مشاريع واسعة النطاق.
ويعيق عدم الاستقرار السياسي وآثار النزاعات، تنفيذ إعادة استخدام المياه العادمة في بعض الدول كسوريا وليبيا، مما يجعل تطبيق هذه التقنية أمرا صعبا خاصة على المدى القريب.
التحديات والاستثمار المالي
يتطلب تحسين كفاءة معالجة المياه العادمة، من الناحية البيئية تخفيض استخدام المواد الكيماوية السامة في مختلف الصناعات.
ويتطلب ذلك تحسين المعالجة المسبقة للمياه العادمة من المصدر خاصة في البلدان التي تعاني من بنية تحتية ضعيفة، وبالتالي يصبح الاستثمار في تحديث الشبكات الحالية وإنشاء أنظمة توزيع فعالة، وصيانة البنية التحتية أمرا ضروريا لضمان نقل المياه المعالجة إلى المناطق التي تحتاجها والتي تكون بعيدةعن المحطة.
وترتبط التحديات بالاستثمار المالي، لأن تكاليف إنجاز هذه الشبكات، وضمان الصيانة الدورية للبنية التحتية تبقى باهظة التكلفة، خصوصا بالنسبة للبلدان ذات الدخل المتوسط أو المنخفض.
ومن بين التحديات الموجودة أيضا، التصورات السلبية المرتبطة بمعايير النظافة والسلامة الصحية للمياه، وبالتالي فإن قبول المياه المستعملة العادمة في الاستخدامات الفلاحية أو الاستهلاك البشري أمر صعب.
وفي الأخير، أكد التقرير أن إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة، تتيح إمكانية تحقيق الاستفادة القصوى من الاستخدام الدائري لكل قطرة ماء في دول حوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، والتي تعاني بالأساس من محدودية الموارد المائية والمتناقصة بسبب الجفاف والتغيرات المناخية والضغط البشري المتزايد.