في إطار أنشطته الاعتيادية، نظم كرسي الألكسو للتربية على التنمية المستدامة بكلية علوم التربية التابعة لجامعة محمد الخامس الجلسة الثانية من سلسلة جلسات الكرسي الحوارية مع الخبراء التي دأب الكرسي على تنظيمها، تحت شعار: معرفة سليمة، بناء المواقف وتعزيز سلوكات إيجابية من أجل تنمية مستدامة، في موضوع: نمط العيش وتأثيره على التغير المناخي: أية مسؤولية مجتمعية لحماية البيئية؟ بتنسيق مع ماستر تدريس العلوم الاجتماعية والتنمية وذلك يوم السبت 02 نونبر ابتداء من العاشرة صباحا.
تم افتتاح هذا اللقاء بآيات بينات من الذكر الحكيم تلاها على مسامع الحضور الطالب جبير مجاهد، قبل أن تفتتح الأستاذة سميرة أوحفصي، مسيرة هذا اللقاء، بكلمة ترحيبية، مبرزة أهمية هذا اللقاء، ثم منحت الكلمة للدكتور عبد العزيز فعراس مدير كرسي الألسكو للتربية على التنمية المستدامة والموروث الثقافي المبدع، الذي ألقى كلمة باسم كلية علوم التربية، مرحبا بدوره بالجميع سواء الحضور الفعلي أو الحضور الافتراضي عبر الرابط الإلكتروني، خاصة وأن تتبع هذه الندوة لقي اهتماما وتتبعا من طرف المئات من المهتمين من مختلف دول العالم العربي.
كما ذكر بموضوع الندوة مؤكدا أن ما يميز هذه الجلسة هو انعقادها قبل أيام من بدء المفاوضات حول التغير المناخي، حيث اتفق الجميع أن الأمر يتعلق بسلوك الانسان، وعلى أن التربية هي السلوك الأنسب لمعالجة هذا الموضوع؛ وتكتسي، هذه الندوة، ميزة خاصة بحضور مؤطرها المهندس عماد سعد.
أما الدكتور محد قفصي، منسق ماستر تدريس العلوم الاجتماعية والتنمية، باعتباره أحد شركاء هذا اللقاء، فقد شكر كل من ساهم ويساهم في إنجاح هذه الندوات، في مقدمتهم الدكتور عبد العزيز فعراس، كما شكر الطاقم الإداري والتربوي بكلية علوم التربية، على رأسهم عميد الكلية الأستاذ عبد اللطيف كيداي لما يبدلونه من مجهودات من أجل إنجاح كل التظاهرات الثقافية التي تشهدها الكلية، كما رحب بالدكتور السالك بوشعيب، منوها بأهمية وتنوع المواضيع التي يناقشها كرسي الألسكو في الرقي بالمستوى المعرفي للطلبة، باعتباره ورشا مفتوحا، يعالج ويناقش مواضيع ذات أهمية وراهنية، متمنيا الاستمرارية لهذا الكرسي. كما أوضح أن هذه الندوة تنعقد بمناسبة اليوم العربي للبيئة.
أما الدكتور السالك بوشعيب، ممثل الجمعية الافريقية لعلم المناخ وأستاذ باحث بكلية علوم التربية، فقد ذكر في كلمة في البداية بسياق ميلاد الجمعية الإفريقية لعلم المناخ، وأشار للتغير المناخي وأثره على العالم، موضحا بهذا الخصوص أن المغرب يشهد ندوات ولقاءات مهمة في سبيل دراسة علم المناخ الذي أصبح يفرض نفسة خاصة في ظل التحولات المناخية الأخيرة وما شهدته الجارة إسبانيا من تساقطات بلغت حوالي 492 ملم في مدة 12 ساعة، وهو مايصعب استيعابه من طرف أي بنية تحتية، ما أضحى يستدعي تدخلا لأهل الاختصاص، لما للمناخ من تأثير على الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
في الآونة الاخيرة عرف المغرب تساقطات مهمة على الرغم من تأثيرها الايجابي، إلى أن الأمر يستدعي التدخل العاجل لدراسة مدى تأثيرها على الواقع، خاصة وأن المناخ يتحكم بشكل كبير في اقتصاد المغرب. بل إن الميزانية المغربية مرتبطة ارتباطا كبيرا بالمناخ والظرفية المناخية.
أما مؤطر الندوة الأستاذ عماد سعد، و هو مهندس إعلامي ومستشار ومدرب وبطل الاستدامة سنة 2000، حيث تم اختاره من بين العديد من المرشحين والمتخصصين في المجال، كما أنه رئيس شبكة بيئة أبو ظبي، و مدرب معتمد وله العديد من المؤهلات والخبرات لأكثر من 30 سنة جعلت منه إطارا مؤهلا لتأطير العديد من اللقاءات والمحاضرات والتي فاقت 2000 محاضرة، كما شارك في العديد من الورشات التأطيرية، فقد انطلق في مداخلته من الإشارة لسر تفوق الأمم المتمثل في اعتمادهم على لغاتهم المحلية، مشيرا لكون الأوطان العربية لا تستعمل اللغة الأم في التعليم؛ فالمعرفة أساس القوة والنمو لهذا وجب نقلها باللغة الأم، مبرزا أن عددا كبيرا يجهل أثر نمط عيش الأفراد على التغيرات المناخية، فما آل إليه الكوكب مسؤولية الجميع كلا من موقعه، لأننا جميعا شركاء في المسؤولية، فلا يجب التقليل من سلوك الفرد، لأن كل المبادرات والأعمال العظيمة بدأت بسلوكات فردية بسيطة، بدءا بالأسرة، لأن تربية الأبناء على السلوك البيئي السوي من شأنه التأثير على البيئة.
ثم بعد ذلك انتقل إلى طرح أسئلة اعتبرها مشروعة للبحث في هذا الموضوع، من قبيل:
ما الذي يحدث للمناخ؟ أهو تغير مناخي أم مؤامرة؟ هل تستطيع دولة ما مواجهة التغير بمفردها؟ ما ذنب الدول الضعيفة؟ هل وصل العالم إلى نقطة لا رجعة منها؟
و في إطار جوابه على هذه الأسئلة|، قال المهندس نفسه بأنه، كان بالامكان التمييز، قبل سنوات، بين فصول السنة، أما اليوم فقد صارت الفصول متداخلة مع بعضها البعض، لدرجة لم نعد ندرك في أي فصل نحن، مع أن القادم أسوأ، فالتغير المناخي حسب گوريتيش، أمين عام الأمم المتحدة، يسير بسرعة أكثر من خطانا..
و أضاف عماد سعد بأننا نجحنا في العلوم، لكن رسبنا في أخلاقيات التعامل مع أمنا الأرض. ثم انتقل للحديث عن عصر الاحتباس الحراري، هذا المفرد الذي بدأ يتردد كثيرا باعتباره تزايدا لتركيز الغازات الدفيئة بالغلاف الجوي، وهو ما يؤدي بدوره إلى التغير المناخي، موضحا أن هذا العصر انتهى وبدأ عصر غليان كوكب الأرض، حيث لا توجد دولة بالعالم في مأمن من آثار التغير المناخي.
ولإبراز خطورة الاحتباس الحراري، قدم الأستاذ سعد بعض الإحصائيات، حيث أوضح أن الصين تساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري بحوالي 33%، أما الولايات المتحدة الأمريكية فتساهم بحوالي 13%، وأوربا بحوالي 7%، في حين لا تتجاوز المنطقة العربية 5,8%، وروسيا 5% واليابان 2% أما باقي العالم فتصل نبسة تمساهمته في هذه الظاهرة بحوالي 32%.
وفي السياق نفسه، أبرز الأستاذ سعد أن متوسط ارتفاع درجة الحرارة وصل إلى 1,5 تقريبا، وهي نسبة مرتفعة، تبرز خطورتها في التأثير على مكونات الوسط الطبيعي وعلى التنوع الحيوي وزيادة الحرائق بالكوكب، مقدما بعض الأمثلة، مثل: 4% من الثذييات التي تفقد موائلها عند ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى1,5درجة مئوية، و8% منها تفقد موائلها عند ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 2،5 درجة مئوية، فيما 41% منها تفقد موائلها عند ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى3 درجة مئوية.
كما أوضح أن الانبعاثات الناتجة عن دول مجموعة العشرين تمثل حوالي 78% في المئة، في حين أن انبعاثات العالم العربي لا تمثل سوى 5%، لدى، فمسؤولية الدول العظمى جسيمة. ولإبراز أهمية السلوك البيئي|، تم عرض فيلم قصير يبرز أهمية السلوك السليم ووعي وحس المسؤولية لدى المواطنين، متوقفا عند السؤال، ما هي علاقة المسؤولية المجتمعية بالتنمية المستدامة؟، مؤكدا أن كلاهما يعمل على بناء علاقة متوازنة مع البئية والاقتصاد والمجتمع.
وفي معرض حديثه عن السلوك البشري اتجاه البيئة، أكد الاستاذ عماد سعد، أنه علينا أن نذهب إلى الترشيد راغبين قبل أن نكون مرغمين، لأن بعض الدول شرعت في الإكراه على الترشيد، فقد أضحى من الواجب علينا التكيف مع نتائج أداء التغيرات المناخية. كما أبرز أن هناك علاقة طردية بين تغير المناخ ونمط العيش غير المستدام، لأن نمط الإنتاج والاستهلاك غير المسؤولان يرفعان من رقم البصمة الكربونية، وبالتالي يرفعان من مستوى الاحتباس الحراري الذي يؤدي إلى المزيد من التغيرات المناخية، أي كلما كان نمط الإنتاج والاستهلاك صديقان للبيئة كلما تراجع الاحتباس الحراري وبالتالي التغير المناخي، وهذا الأمر يدفعنا إلى ضرورة اعتماد نمط الانتاج الدائري والاستهلاك المستدام من أجل توفير نمط عيش مسؤول ومستدام لنا وللأجيال التي لم تولد بعد، حرصاً على إجراءات التخفيف والتكيف مع التغير المناخي.
بعد ذلك، تم فتح باب المناقشة أمام الجميع الذين أغنوا هذا اللقاء بمداخلاتهم واستفساراتهم التي صبت في أغلبها حول ضرورة تغيير سلوكات الفرد من أجل الحفاظ على حق الأجيال القادمة من الموارد الطبيعية؛ وكذا مسؤولية كلا من الدولة والفرد في الحفاظ على هذه الموارد، كما تم تكريم المهندس عماد سعد بهذه المناسبة، حيث قدمت له شهادة تقديرية وتذكار بالمناسبة من طرف كل من الدكتور محمد قفصي والدكتور عبد العزيز فعراس.
كما تم بالمناسبة تقديم شهادة تقديرية للأساتذة الجدد ترحيبا بهم للعمل ضمن هذه الكلية.