يشكل ضمان حق الطفل في بيئة سليمة من أبرز الحقوق الأساسية التي تمثل ركيزة لضمان نموه السليم على المستويات الصحية والجسدية والنفسية، فهذا الحق يشكل ، جزءا لا يتجزأ من حقوق الإنسان، كما يتداخل مع قضايا البيئة والتنمية المستدامة التي تهم العالم بأسره.
و تتصاعد التحديات البيئية التي تواجه العالم اليوم، مثل التغير المناخي والتلوث واستنزاف الموارد الطبيعية، التي تؤدي إلى إصابة الأطفال بآثار جسدية مثل الأمراض التنفسية وسوء التغذية، إلى جانب آثار نفسية نتيجة النزوح وانعدام الاستقرار.
وتحث الجهود الدولية في هذا الصدد، على التصدي لهذه الأزمات عبر تعزيز التعاون العالمي لحماية حقوق الأطفال وتأمين مستقبلهم.
أولا: على الصعيد الدولي
يحظى حق الطفل في بيئة سليمة باهتمام وباعتراف دولي واسع في إطار الاتفاقيات الدولية حيث تعتبر هذه الأخيرة الإطار المرجعي لضمان هذا الحق وتعزيزه، ومن أبرز هذه الاتفاقيات التي تضمنت حق الطفل في بيئة سليمة، سواء بطريقة مباشرة أو بشكل عام وضمني نجد:
1. اتفاقية حقوق الطفل (1989):
و تناولت حقوق الطفل بشكل شامل، حيث نصت المادة 24 منها على ضرورة توفير أعلى مستوى ممكن من الصحة للأطفال، وأشارت كذلك إلى أهمية مكافحة الأمراض البيئية وعوامل الخطر التي قد تؤثر على صحة الأطفال، مؤكدة على ضرورة تحسين الجوانب البيئية، مثل جودة المياه ونظافة الهواء، لضمان بيئة سليمة تعزز صحة الطفل.
2. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948):
أقر الإعلان في المادة 25، بحق كل فرد في مستوى معيشي لائق، يشمل الغذاء والملبس والمأوى والرعاية الصحية، رغم عدم الإشارة الصريحة إلى البيئة، فإن هذا النص يربط بشكل ضمني بين الصحة والبيئة السليمة كحق أساسي للجميع، بما في ذلك الأطفال.
3. العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966):
تؤكد المادة 12 من هذا العهد على “حق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية”، وهو ما يستلزم توفير بيئة خالية من المخاطر الصحية مثل التلوث وتدهور الموارد الطبيعية.
4. اتفاق باريس للمناخ (2015):
تعتبر هذه الاتفاقية إحدى أهم المبادرات العالمية لمواجهة التغير المناخي، وهي تركز على حماية الفئات الأكثر هشاشة، بما في ذلك الأطفال، من آثار الكوارث البيئية والتغير المناخي.، تهدف إلى تقليل انبعاثات الكربون وتعزيز التحول نحو مصادر الطاقة النظيفة، كما تهدف هذه الاتفاقية إلى ضمان بيئة مستدامة للأطفال.
5. أهداف التنمية المستدامة:
تتناول هذه الأهداف الصادرة عن الأمم المتحدة خلال سنة 2015 قضايا بيئية متعددة تؤثر على صحة الأطفال ورفاههم:
- الهدف الثالث (الصحة الجيدة والرفاه): يعزز أهمية مكافحة الأمراض البيئية وتوفير بيئة صحية للجميع.
- الهدف السادس (المياه النظيفة والصرف الصحي): يشدد على ضرورة توفير مياه نظيفة وآمنة للأطفال.
- الهدف الثالث عشر (العمل المناخي): يدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة التغير المناخي وآثاره السلبية على الفئات الهشة.
6. اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها (1989):
تهدف هذه الاتفاقية إلى حماية صحة الإنسان، بما في ذلك الأطفال، من الآثار السلبية للنفايات الخطرة، وهو أمر حيوي لضمان بيئة صحية ومستدامة.
7. إعلان استوكهولم بشأن البيئة البشرية (1972):
يشير هذا الإعلان كأولى الوثائق التي تناولت العلاقة بين البيئة وحقوق الإنسان، إلى ضرورة حماية البيئة لضمان رفاهية الإنسان، بما فيهم الأطفال.
ثانيا: على الصعيد الوطني
وحرصت المملكة المغربية على إدماج حق الطفل في بيئة سليمة ضمن منظومتها القانونية والسياسات العمومية، حيث ينص الدستور المغربي لسنة 2011 في الفصل الحادي والثلاثين على الحق في :
- الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة ؛
- التنمية المستدامة.
و نجد مجموعة من القوانين البيئية التي تشكل الإطار التشريعي لحماية البيئة في المغرب تؤكد على ضمان هذا الحق والالتزام به ، ومن بينها القانون الإطار 99.12 المتعلق بالميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، والقانون 36.15 المتعلق بالماء، الذي يركز على حماية الموارد المائية وضمان جودتها، فهذه النصوص القانونية تعكس التزام المغرب بحماية البيئة وضمان سلامتها للأجيال الحالية والقادمة.
ولا يمكن الحديث عن حماية تشريعية دون الحديث عن تنزيل هذه القوانين على مستوى السياسات العمومية، بحيث نجد أن المغرب قطع أشواطا مهمة في تعزيز مفهوم التنمية المستدامة وحماية البيئة، وهو ما يظهر جليا في:
- الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030، والتي تهدف إلى تقليل التلوث وتعزيز استخدام الطاقات المتجددة؛
- المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي ساهمت في تحسين جودة الحياة في المناطق القروية، وخاصة من خلال مشاريع توفير مياه الشرب للمجتمعات الأكثر هشاشة.
- خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان، بإدماج البعد البيئي في السياسات العمومية والاستراتيجيات والبرامج القطاعية، مع مراعاة أهداف التنمية المستدامة والمحافظة على التنوع البيئي ومحاربة التصحر ومكافحة التغير المناخي.
- استراتيجية الوزارة في مجال التواصل والتربية البيئية.
و يعمل المغرب جاهدا لحماية بيئة الطفل رغم كل التحديات والعقبات التي تجعل الموضوع صعبا وأكثر تعقيدا و يشجع على التربية البيئية والمدارس الإيكولوجية من خلال مبادرات مثل “مدارس خضراء“، التي تهدف إلى ترسيخ الوعي البيئي لدى الأطفال، أيضا المدارس الرائدة التي تعتمد على التكنولوجيا وتوجه الأطفال نحو استعمال مقنن ومفيد لهذه التكنولوجيا والاستفادة منها بشكل صحي ولائق.
من جهة أخرى، تقوم مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة بدور محوري في هذا الشق، من خلال برامجها العديدة لفائدة الأطفال، وأخص بالذكر هنا برنامج الشواطئ النظيفة، تحت شعار “لنجعل شواطئنا تبتسم” ، حيث يضمن حماية الشواطئ والساحل، ضمان نظافة الشواطئ والمياه، ضمان سلامة المصطافين ، و الأطفال هم أكثر عرضة للتلوث وأكثر الوافدين على الشواطئ من اجل الاستمتاع بالرمال والمياه ، أيضا يخص البرنامج تنشيط الشواطئ والتحسيس بالبيئة، لا سيما بين صفوف الشباب والصغار.
يتجاوز حق الطفل في بيئة سليمة كونه التزاما قانونيا ليصبح واجبا أخلاقيا، يضمن نموه في ظروف صحية وآمنة، ويسهم في بناء جيل واع بقضايا البيئة.
ورغم وجود اتفاقيات دولية شاملة تلزم الدول بتوفير بيئة مستدامة تعزز رفاه الأطفال، إلا أن التحديات البيئية، كالتغير المناخي وندرة المياه، لا تزال تؤثر سلبًا على حياتهم، خاصة في الدول النامية. و تحقيق هذا الحق يتطلب تكاتف الحكومات والمجتمع الدولي والأفراد لحماية البيئة، باعتبار ذلك استثمارًا في حاضر الأطفال ومستقبل الإنسانية.