اليوم العالمي للمرأة، الذي يحتفى به في الثامن من مارس، فرصة سانحة لتقدير الدور الحيوي الذي تؤديه النساء في المجتمع، وتسليط الضوء على إنجازاتهن وإبراز القيادات النسائية التي أحدثت فرقا في مختلف المجالات.
وفي هذا السياق، اختارت جريدة إيكو ECO17 تكريم نساء رائدات في مجالات متعددة، عبر تقديم بورتريهات تبرز مساراتهن المهنية المتميزة وإسهاماتهن الاستثنائية.
وتعد فاطمة الزهراء المنصوري واحدة من أبرز الأسماء النسائية التي أثبتت قدرتها على قيادة المشاريع التنموية الكبرى بالمغرب، فمن خلال منصبها كوزيرة لإعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، وكرئيسة للمجلس الجماعي لمراكش، لعبت المنصوري دورا رياديا في إرساء سياسات حضرية متجددة تدعم التنمية المستدامة وتعزز الاستقرار الاجتماعي.
النشأة و المسار المهني
ولدت فاطمة الزهراء المنصوري سنة 1976 في مدينة مراكش، وسط عائلة عريقة تمتد جذورها إلى قبيلة الرحامنة، الواقعة بالقرب من مدينة بنجرير، ترعرعت في كنف والدها عبد الرحمن المنصوري، الذي شغل مناصب مرموقة، حيث تولى رئاسة نقابة المحامين بمراكش لولايتين، ثم عين باشا للمدينة لمدة ثماني سنوات، قبل أن يشغل منصب سفير المغرب في الإمارات العربية المتحدة.
تلقت المنصوري تعليمها الابتدائي والثانوي في مدارس البعثة الفرنسية بمراكش، حيث أبدت اهتماما كبيرا بالقانون، متأثرة بمسار والدها المهني، لتنتقل إلى فرنسا لمتابعة دراستها الجامعية، حيث التحقت بجامعة مونبلييه، وحصلت على شهادة في القانون، قبل أن توسع معارفها الأكاديمية بالحصول على شهادة في قانون العقود التجارية من الجامعة ذاتها، إضافة إلى شهادة في القانون الأنجلو-ساكسوني من جامعة أمريكية. وواصلت مسارها العلمي في المغرب، حيث نالت شهادة في القانون الخاص من جامعة محمد الخامس بالرباط، بعد حصولها على بكالوريا في الاقتصاد.
بدأت مسيرتها المهنية كمحامية متدربة في أحد مكاتب المحاماة المرموقة في الدار البيضاء، قبل أن تعود إلى مراكش للعمل في مجال قانون العقارات والأراضي بمكتب والدها، قبل تلتحق رسميا بنقابة المحامين بمراكش سنة 2005، حيث أصبحت شريكة في مكتب محاماة مرموق، مما عزز من خبرتها القانونية.
دخلت عالم السياسة سنة 2007 بانضمامها إلى “حركة كل الديمقراطيين”، لتصبح في السنة التالية من المؤسسين الأوائل لحزب الأصالة والمعاصرة. وفي سنة 2009، حققت إنجازا سياسيا بارزا عندما انتُخبت رئيسة للمجلس البلدي لمراكش، وهو المنصب الذي شغلته حتى 2015. بالتوازي مع ذلك، كانت عضوة في البرلمان المغربي خلال ولايتين متتاليتين بين 2011 و2021.
وعادت المنصوري إلى الواجهة السياسية بقوة في انتخابات 2021، ، حيث فازت برئاسة المجلس البلدي لمراكش مجددا، وهو ما كرس مكانتها كواحدة من أبرز القيادات النسائية في المغرب.
وحظيت بمكانة مرموقة على المستوى الوطني والدولي، حيث صنفتها مجلة “فوربس” سنة 2014 ضمن قائمة أكثر 20 شابة مؤثرة في إفريقيا، كما وقع عليها الاختيار كواحدة من القادة العالميين الشباب.
وانخرطت في عدة منظمات دولية، حيث أصبحت عضوا في الاتحاد الدولي للملاحة البحرية، ومنظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة الإفريقية (UCLGA)، فضلا عن منصبها كنائبة رئيس جمعية رؤساء البلديات المغربية وعضويتها في المجلس المغربي للتعليم العالي.
وعينت فاطمة الزهراء المنصوري من قبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يومه الخميس 7 أكتوبر 2021 وزيرة إعداد التراب الوطني و التعمير و الإسكان و سياسة المدينة .
قيادة نسائية ملهمة:
يمثل اليوم العالمي للمرأة فرصة للاعتراف بمجهودات النساء المغربيات الرائدات، وتشكل فاطمة الزهراء المنصوري نموذجا بارزا للقيادة النسائية القادرة على تحقيق التغيير الإيجابي، فمن خلال رؤيتها الاستراتيجية، عززت الحوكمة الحضرية وساهمت في تطوير السياسات العامة، مما يجعلها مصدر إلهام للمرأة المغربية الطامحة إلى مواقع القرار والمساهمة في بناء مغرب أكثر تطورا واستدامة.
تعزيز التحول الحضري المستدام:
سعت المنصوري إلى تطوير نموذج جديد للتخطيط والتدبير الحضري يتلاءم مع الالتزامات البيئية الدولية، وعملت على دعم التحول نحو التعمير المستدام، الذي يوازن بين التوسع العمراني وحماية البيئة، كما حرصت على تعزيز الشراكات بين الفاعلين المحليين والدوليين لضمان إدماج المدن المغربية في استراتيجيات التنمية المستدامة، معتبرة أن تبني سياسات تحترم التغيرات المناخية يمثل مفتاحا لتحقيق نمو اقتصادي واجتماعي متكامل.
تحسين حكامة المياه ومواجهة التغيرات المناخية:
أكدت المنصوري على أهمية ترشيد استخدام الموارد المائية كأحد الأولويات الوطنية، خاصة في ظل التحديات التي يفرضها تغير المناخ. وخلال اجتماعاتها مع شركاء دوليين، شددت على ضرورة تبني مقاربة شاملة في التخطيط الحضري تضمن كفاءة واستدامة إدارة المياه.
وساهمت في إعداد خارطة طريق جديدة لإعادة تصميم المجالات الترابية بما يضمن الحفاظ على هذا المورد الحيوي للأجيال المقبلة، عبر التنسيق مع القطاعات الحكومية والمنظمات الدولية المختصة.
رؤية مستقبلية لمغرب أكثر استدامة:
ركزت المنصوري على جعل المدن المغربية أكثر ذكاء واستدامة من خلال تبني سياسات حضرية متكاملة تراعي البعد البيئي والاجتماعي، وشجعت على اعتماد تقنيات التخطيط الإيكولوجي والابتكار في تصميم المشاريع التنموية، بما يضمن تقليل التأثير البيئي للمجالات الحضرية وتحقيق العدالة الاجتماعية بين مختلف فئات المجتمع.
المرأة في صدارة القيادة البيئية:
وواصلت المنصوري جهودها في مجال الحكامة البيئية، حيث سعت إلى تضمين البعد البيئي في جميع القرارات المرتبطة بالتنمية الحضرية، وجعلت من الاستدامة محورا أساسيا في السياسات العمومية المرتبطة بالإسكان وإعداد التراب الوطني، مما يعكس إيمانها بقدرة المرأة المغربية على المساهمة الفاعلة في بناء مستقبل مستدام للبلاد.
إصلاحات في مجال سياسة المدينة والإسكان:
أشرفت المنصوري على تنفيذ برامج تهدف إلى تحسين جودة الحياة في المدن المغربية، حيث أشرفت على إبرام 162 اتفاقية لتمويل مشاريع سياسة المدينة باستثمار يناهز 23.7 مليار درهم، كما عملت على معالجة تحديات السكن غير اللائق من خلال مشاريع تستهدف إعادة تأهيل الأحياء الهامشية وتعزيز الإسكان الاجتماعي، مما ساهم في تقليص الفوارق المجالية وتعزيز العدالة الحضرية.
كما أشرفت على تنفيذ مشاريع كبرى في مجالات التهيئة الحضرية، إذ تم إنجاز 37 تصميما للتهيئة القطاعية وإعداد 24 مخططا توجيهيا للتنمية الحضرية، مما يعكس التزامها بتحديث المدن المغربية وتطوير بنياتها التحتية.