يتميز المغرب بتنوع بيئي كبير وتنوع بيولوجي جد غني، بحيث يتوفر على العديد من المناطق الرطبة التي تمتاز بإنتاجية عالية، توفر ظروف الحياة لطيور الماء طيلة السنة؛ ورغم أهميتها الكبرى –ليس فقط على الصعيد الوطني وإنما حتى على الصعيد الدولي-(1)، لم يتم الاهتمام بها إلا مؤخرا من طرف رجال القانون(2). ويمكن ملاحظة هذا التجاهل، الذي عانت منه المناطق الرطبة، في عدم وجود أي نص قانوني ضمن الترسانة القانونية الضخمة المشتتة بين مختلف القطاعات المهتمة بالميدان البيئي.
وفي غياب نص قانوني يتناول المناطق الرطبة بشكل مباشر، فإن حماية هذه الأوساط سيتم من خلال استقراء بعض النصوص القانونية ذات الارتباط بالموارد الطبيعية لهذه الأوساط و من خلال الإطار القانوني العام الذي يؤطرها.
أولا: المناطق الرطبة كجزء من الملك العمومي للدولة
تناولت المادة 5 من القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء، تعداد العناصر المكونة للملك العمومي المائي. و يتضح أن جل أنماط المناطق الرطبة تدخل في إطار هذا التعداد.
إن أهمية مبدأ الملك العام لا تنحصر فقط في تعداد وضبط العناصر البيئية المكونة للأملاك العامة بل في النتائج القانونية المترتبة عليه و التي تتمثل في عدم جواز التصرف في تلك الأملاك العمومية(3) (Invalierabilite) أو إجراء الحجز عليها (Insaisibilite) أو ملكها بالتقادم ) (Impresriptibilit، وذلك بقصد حمايتهما من أي تملك، وضمان استمرار أدائها لوظائفها.
وتلعب وكالات الأحواض المائية دورا بارزا في إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة المندمجة للموارد المائية والسهر على تنفيذه داخل منطقة نفوذها، وهي التي تتولى منح الترخيص في مجموعة من العمليات أو يمكن أن تسحبه في أي وقت متى لم يتم احترام الشروط التي يتضمنها الترخيص، وتقوم كذلك بجرد درجات تلوث المياه السطحية والجوفية بصفة دورية، ويعهد إليها، إلى جانب ضباط الشرطة القضائية، بتعيين أعوان قصد معاينة المخالفات وتحرير محاضر بشأنها.
ثانيا: مساهمة التشريعات القطاعية في حماية المناطق الرطبة
نقصد بالتشريعات القطاعية مختلف النصوص القانونية التي لها علاقة بمختلف العناصر البيئية الطبيعية أو يمكن تطبيق بعض مقتضيات هذه النصوص على المناطق الرطبة، بكيفية جزئية أوغير مباشرة، وتتميز هذه النصوص بكثافتها وتعددها و تشتتها بين مجالات مختلفة، حيث منها ما يرمي إلى حماية أنظمة بيئية بكاملها.
– ظهير 1923 المتعلق بمراقبة الصيد البري
يعتبر هذا الظهير(4) الإطار القانوني لحماية المصيد، وتجد فيه المناطق الرطبة والغنية بالطيور المائية وسيلة لحمايتها من الاصطياد أو من الصيد المحظور.
وبتصنيف بعض المواقع كمحميات دائمة للصيد، فإنها تتمكن من حماية بعض أنواع الطيور المرتبطة بالأوساط البيئية للمناطق الرطبة، كما تتمكن من حماية بعض أنواع الطيور من القنص التي ترتبط في عيشها بالمناطق الرطبة . وبالتالي تعتبر هذه الحماية، إجمالا وبطريقة غير مباشرة، حماية للمناطق الرطبة نفسها.
وأهم القواعد التي وردت في النصوص القانونية المتعلقة بمراقبة الصيد البري، تتعلق برخصة الصيد، وأوقات الصيد، ووسائل الصيد، وحماية الأنواع المهددة بالانقراض، وإحداث المناطق المحمية.
وفي هذا الصدد، تباشر إدارة المياه و الغابات مراقبة وإدارة الصيد في جميع الأراضي كيفما كان نوعها وأيا كان ملاکها مع مراعاة مقتضيات الفصل الثاني من ظهير 1923 .
– ظهير 11 أبريل 1920 بشأن الصيد في المياه البرية
يطبق نظام الصيد في المياه البرية(5) و المياه الجارية أو المستنقعة للملك العمومي و تلك المياه المنصوص عليها في الظهير الشريف، الصادر في 07 شعبان 1332 (فاتح يوليوز 1914)، في شأن الأملاك العامة، كما وقع تغييره و تتميمه في ظهير 10 غشت 2016 بتنفيذ القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء، غير ذلك النظام لا يطبق على البحيرات الصغيرة المعينة بموجب مرسوم (المادة 1 من ظهير 11 أبريل 1922).
إن مجال تطبيق هذا النص يشمل بشكل مباشر كل الأنظمة البيئية المكونة للمناطق الرطبة البرية والمتمثلة في الأودية والأنهار والمستنقعات والبرك والبحيرات الطبيعية وبحيرات السدود؛ فالإطار القانوني لتدبير الصيد في المياه البرية يتضمن عدة عناصر حمائية لموارد المناطق الرطبة البرية، إذ تخول المادة الثانية من ظهير 11 أبريل 1922، للدولة حق الصيد، وأناطت أيضا بإدارة المياه، تدبير شؤون الصيد ومراقبته، وذلك تطبيقا للقواعد العامة التي جاء بها الظهير، وكذا لمقتضيات المرسوم التطبيقي ولقرارات وزير الفلاحة.
ورغم أهمية هذه المقتضيات الواردة في النصوص القانونية المتعلقة بالصيد في المياه القارية، فإنها لا تُحترم في أغلب الأحيان، نظرا لما تعاني منه المياه البرية من تدهور وتلوث. ويعزى ذلك إلى هيمنة الخطاب الاقتصادي التنموي الذي يرى في تلك الإجراءات عرقلة للتنمية الاقتصادية.
– حماية موارد المناطق الرطبة الساحلية
قبل صدور القانون رقم 03-11 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة، لم يكن هناك في التشريع المغربي أي نص قانون خاص يتطرق للمناطق الساحلية، الشيء الذي ترتب عنه غموض على مستوى تعريف ومضمون هذه الأوساط (6).
وبصدور القانون 12-81 المتعلق بالساحل(7)، نجده قد جاء بتعريف قانوني للساحل وحدد مكوناته البرية والبحرية؛ كما نص على تدبير هذا الوسط بالاعتماد على مقاربة مندمجة تنبني على المعطيات العلمية الحديثة وتأخذ بعين الاعتبار التغيرات المناخية وأثرها على المناطق الساحلية.
ومن بين النصوص القانونية التي يمكن توظيفها لحماية الملك العام البحري من بعض أشكال التلوث، نذكر ظهير 2 نونبر 1926 بشأن شرطة الملك العام البحري الذي يمنع القيام بمجموعة من الممارسات التي أدت إلى التعدي على الملك العام البحري ومن بينها القيام بعمليات الحفر و استخراج بعض المواد(8).
وفي هذا السياق، ومن أجل وضع حد للمخالفات التي تعرفها مختلف المقالع وخاصة مقالع الرمال، صدر قانون رقم 01-08 بموجب الظهير رقم 130-02-1 بتاريخ 13 يونيو 2002(9). يتضمن هذا النص مقتضيات رادعة بشكل كبير، حيث أن العقوبة الحبسية يمكن أن تتراوح من 6 أشهر إلى سنتين وغرامة قد تصل إلى مليون درهم بالنسبة لبعض المخالفات الخطيرة (انظر المواد من 55 إلى 60 من الفصل العاشر من هذا القانون).
إن تبني مقتضيات رادعة من هذا الحجم له عدة مميزات، خاصة بالنظر لما آلت إليها شواطئنا بصفة خاصة من تدهور، وما أصاب البيئة بصفة عامة نتيجة جشع وطمع مستغلي مقالع الرمال.
ولعل المشرع أحسن صنعا عندما منع الترخيص باستغلال الرمال إذا كان من شأن هذا الاستغلال أن يلحق ضرارا بالمناطق الرطبة الساحلية، وهذا ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 24 من القانون 81.12 المتعلق بالساحل(10)، أو من خلال منعه الترخيص أيضا، في إطار محاربته للتلوث، عندما نص في المادة 42 من القانون السالف الذكر على أنه لا يمكن منح أي ترخيص بصب مقذوف في المناطق المحمية المنشأة طبقا للقانون22.07 المتعلق بالمناطق المحمية أو مواطن أصناف النبيت والوحيش المهددة بالانقراض.
– نصوص قانونية تتعلق بتنظيم المؤسسات غير الصحية المزعجة والخطيرة
يعتبر ظهير 25 غشت 1914 بخصوص تنظيم المؤسسات غير الصحية والمزعجة أو الخطرة(11)، أول نص اعتمده المشرع المغربي في هذا الشأن غداة الحماية. وقد عرف عدة تعديلات بواسطة مجموعة من الظهائر والقرارات التنظيمية.
وحتى تتمكن الإدارة من ممارسة مراقبتها على مختلف المشاريع المتعلقة بالمنشآت المصنفة، فقد أخضعها المشرع إما لنظام الترخيص (الفئة الأولى والفئة الثانية)، وإما لنظام التصريح (الفئة الثالثة) وذلك حسب التسمية والمسطرة المحددتين بنصوص تطبيقية.
وإذا كان المشرع قد حدد، على سبيل الحصر، المشاريع التي ينبغي إخضاعها إلزاميا لدراسة التأثير على البيئة، بالنسبة للمؤسسات غير الصحية و المزعجة أو الخطرة على تلك المصنفة في الفئة الأولى دون غيرها من الفئتين الثانية و الثالثة، فإننا نعتقد أن هذا الإغفال يعتبر عيبا من العيوب التي تطال هذا النص القانوني، إذ يتعين التنصيص صراحة على ضرورة إرفاق طلب الحصول على الترخيص بوثيقة دراسة التأثير على البيئة بالنسبة لجميع فئات المنشآت المصنفة، وخاصة إذا تعلق الأمر بمواقع مجاورة للمناطق الرطبة المعروفة بهشاشتها و تأثر مواردها الطبيعية بأضرار التلوث(12).
– حماية المناطق الرطبة في القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير
يعرف التعمير بأنه مجموعة التدابير القانونية والاقتصادية و التقنية والاجتماعية التي تهدف ضمان نمو متوازن عقلاني وإنساني للكتل العمرانية.
وبالرجوع إلى المقتضيات القانونية المتعلقة بهذه الوثائق، نجد بعض الإشارات المتعلقة بالمحافظة على البيئة بصفة عامة والمناطق الرطبة بصفة خاصة، فنجد مثلا أن الفصل 4 من قانون التعمير(13) ينص على أن “مخطط توجيه التهيئة العمرانية من بين ما يهدف إليه هو تحديد الأغراض العامة المخصصة لها الأراضي و تعيين مواقع “المناطق الزراعية والغابوية، المناطق الساحلية، الأماكن الطبيعية sites naturels و التاريخية والأثرية، التي يجب القيام حمایتها أو إبراز قيمتها أو هما معا؛ و التجهيزات الكبرى كشبكة الطرق الرئيسية ومنشآت الموانئ الجوية والموانئ والسكك الحديدية …”
يبدو إذن، أن عنصر البيئة حاضر وبشكل كبير أثناء إعداد مخططات وثائق التعمير، و بالتالي له فائدة كبيرة بالنسبة لتدبير الأنشطة البشرية الشديدة الكثافة القريبة من المناطق الرطبة وأحواضها.
وفي الأخير، يمكن القول أن المناطق الرطبة في المغرب، تشكل ثروة بيئية واجتماعية كبيرة يجب الحفاظ عليها وضمان استدامتها. ورغم غياب نص قانوني موحد ينظم هذه الأوساط بشكل شامل، إلا أن التشريعات القطاعية الحالية تقدم حلولا قانونية لحمايتها، سواء من خلال تصنيفها ضمن الملك العمومي للدولة أو عبر النصوص المتعلقة بالصيد، الساحل، التعمير، والمناطق المحمية. ومع ذلك، تظل الحاجة ملحة لاعتماد إطار قانوني موحد ومندمج يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات هذه الأوساط الحساسة وأهميتها الاستراتيجية، بما يحقق التوازن بين متطلبات التنمية الاقتصادية وحماية البيئة.
قائمة المراجع
1.بالرغم من ان مجموعات النظم البيئية المكونة للمناطق الرطبة لا تغطي في الوقت الحالي سوى 6 بالمئة من مساحة الكوكب، الا انها تضم بعض المجالات الارضية الاكثر انتاجية مما دفع البعض لوصفها احيانا بمثابة كليتي المشهد الطبيعية Les reins du paysage، نظرا للأدوار المتعددة التي تقوم بها بالنسبة لدورة الماء، والدورة الكيميائية، واحيانا اخرى سنعتها بالفوق-بيولوجية كبرى Des supermarche Biologique، اعتبارا للسلاسل والشبكات الغذائية للتنوع البيولوجي الذي تزخر به.
Edward d.barbier, Mike acreman et duncan knowler évaluation économique desv zones humides, guide à l’usage des décideurs et planificateurs, bureau de la convention de ramsar, imprimerie dupuis SA,1348 le brassus, suisse 1997, p 10.
2. Les zones humides (n’ont que faiblement, et bien pardisement sufcipé l’interet du juriste. La doctrine dans sa jeunesse N’y a juére preté attention. Nul enthosiame non plus sauf exception de la part des législateurs à leur endroit”
MEKOUAR (M.A ); “les zones humides en droit marocain”, in revue marocaine de droit et d’économie du développement, université hassan II, faculté des sciences juridiques economique et sociales casablanca, n° 12 1986 pp:119-129 à la page 120.
3. الصادر بشأنه الظهير الشريف رقم 1.16.113 صادر في 6 ذي القعدة 1437 ( 10 أغسطس 2016) بتنفيذ القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6494 بتاريخ 25 أغسطس 2016 يضاف لهذا التعداد حسب الفصل 1 من اتفاقية رامسار مناطق الهور (fagnes ) واراضي الخث (tourbieies) و مناطق المياه البحرية التي لا يتجاوز عمقها ستة أمتار في حالة الجزر.
4. كما تم تعديله وتغييره عدة مرات كان آخرها بمقتضى القانون 03-54 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.06.127 بتاريخ 18 جمادى الأولى 1427 (15 يونيو 2006)، ج.ر عدد: 5435 بتاريخ 7 جمادى الآخرة 1427 (3 يوليو 2006).
5. منشور في جر عدد 476 بتاريخ 13 يونيو 1922 ص: 693. وقد خضع لعدة تعديلات وآخر تعديل صدر بموجب الظهير الشريف رقم 1.15.107 صادر في 18 من شوال 1436 (4 أغسطس 2015) بتنفيذ القانون رقم 130.12 المغبر والمتهم بموجبه الظهير الشريف الصادر في 12 من شعبان 1340 (11 أبريل 1922) بشأن الصيد في المياه البرية، منشور بالجريدة الرسمية عدد:6388 ذو القعدة 1436 (20 أغسطس 2015).
6. TAZI SADEQ (Houria), Droit, eau et développement durable, thèse pour T’obtention d’un doctorat d’Etat en droit public, faculté des sciences juridiques économiques et sociales de Casablanca 1998 p: 332.
7. ظهير شريف رقم 1.15.87.، صادر في 29 من رمضان 1436 (16 يوليوز 2015)، بتنفيذ القانون رقم 81.12 المتعلق بالساحل.
8. فقد جاء في الفصل الأول من ظهير 2 نونبر 1926 بشأن شرطة الملك العام البحري ما يلي :
المادة 1 (يحظر (…)
1- عمل ودائع في المجال البحري العام
2- تحريك أي جسم ، وإنشاء أي هيكل يعيق الدورة ، وبشكل عام ، للتنبؤ بحدود الملك العام البحري.
3- لحفر أو استخراج المواد من هذه المنطقة.
9 ظهير رقم 130-02-1 بتاريخ فاتح ربيع الثاني 1423 (13 يونيو 2002) بتنفيذ القانون رقم 01-08 المتعلق باستغلال المقالع منشور بالجريدة الرسمية رقم 5036 بتاريخ 27 جمادى الثانية 1423 (5 يونيو 2002). يتضمن هذا النص 63 مدة موزعة على إحدى عشر فصلا (راجع على الخصوص الفصول من 1 إلى 6).
10. تنص الفقرة الأخيرة من المادة 24 من القانون المتعلق بالساحل على أنه الا بمزح الترخيص باستغلال الرمال وغيرها من المواد إذا كان من شأن هذا الاستغلال أن حق بشكل مباشر أو غير مباشر ضررا بوحدة شاطئ أو بكثيب رملي أو بجرف او بمستنقع أو ببحيرة أو بمنطقة توالد الأسماك ومواطنها أو بمنطقة رطبة أو من شأنه أن يلحق اضررا بالتنوع البيولوجي أو بمورد طبيعي للثروة السمكية او بأنشطة تربية الأحياء.
11. منشور بالجريدة الرسمية عدد 97 بتاريخ 7 شتنبر 1914 ص: 703 .
12. ذلك أن مشروع القانون حول المنشآت المصنفة ترك المجال مفتوحا أمام الإدارة المختصة لطلب هذه الوثيقة أو التخلي عن طلبها. يتجلى ذلك من خلال استعماله للصياغة التالية في الفقرة الثانية من الفصل 5 من مشروع القانون حول المنشآت المصنفة:
” L’autorité compétzntz Peut exiger que la demande soit acoompagnée d’une etude d’impact sur l’environnement”.
13. منشور بالجريدة الرسمية عدد 4159 لسنة 1992 ص: 887 وما بعدها، تم إصداره بواسطة الظهير الشريف رقم 1.92.31 الصادر في 15 ذي الحجة الموافق ل 17 يونيو 1992.