المسؤولية القانونية عن الأضرار البيئية بين الأساس التقليدي والموضوعي

ECO179 يناير 2025
المسؤولية القانونية عن الأضرار البيئية بين الأساس التقليدي والموضوعي
إيمان بنسعيد

(الجزء الثاني)

ثانيا: حماية ضحايا الأضرار البيئية دفعت التشريعات الحديثة لاعتمادها قواعد جديدة

إن الاعتبارات التي أوردناها كانت كفيلة بدفع التشريعات الحديثة إلى وضع قواعد قانونية خاصة من أجل ملاءمتها مع ظاهرة الأضرار البيئية؛ ولعل من أهمها، القاعدة الاقتصادية التي تقضي بأن الملوث الدافع (المؤدي)، والمسؤولية التضامنية عن الأضرار البيئية، وإحداث صندوق وطني خاص بحماية واستصلاح البيئة.

1. الملوث المؤدي
لقد تبين لمختلف المهتمين بالشأن البيئي بأن قواعد المسؤولية المدنية الواردة في إطار النظرية العامة، وخاصة أحكام نظرية التعسف في استعمال الحق، غير كافية، في غالب الأحيان، لضمان تعويض الأضرار البيئية (13). فالإثبات وغياب اعتبارات الأضرار الإيكولوجية في أولويات التشريعات، تبقى من أهم الصعوبات التي تواجه تعويض ملائم للأضرار الناتجة عن الأنشطة البيئية.

ومن ثم، فقد ظهر المبدأ الاقتصادي القاضي بأن الملوث الدافع في سبعينات القرن الماضي. وقد برز في البداية وبشكل أساسي في النظام الأمريكي؛ وبوجه عام: فقد عرف تطورا مهما في باقي دول العالم بعد لقاء استوكهولم لسنة 1972، كما هو الشأن بالنسبة للقانون الفرنسي (14) والقانون المغربي.

فبالرجوع للقانون “11.03”، نجد المشرع المغربي قد نص على هذا المبدأ كإحدى القواعد العامة والأساسية لهذا القانون، وذلك بمقتضى المادة الثانية منه، التي جاء فيها ما يلي: “يرتكز تنفيذ أحكام هذا القانون على المبادئ العامة التالية:

– تفعيل مبدأ المستعمل المؤدي ‘ومبدأ الملوث المؤدي’ في إنجاز وتدبير المشاريع الاقتصادية والاجتماعية وتقديم الخدمات..

وقد أعطى هذا المبدأ نفسا لوضع أنظمة خاصة جديدة للمسؤولية المدنية للأضرار البيئية. بل إن هذا المبدأ، كما ذهب لذلك بعض الفقه (15)، ساهم إلى حد كبير في اعتماد كقاعدة للمسؤولية المدنية بدون خطأ، وأيضا في اعتماد صناديق للتعويض ممولة من قبل الملوثين المستقبليين.

غير أن مبدأ الملوث المؤدي لا يعني أنه مبدأ تعويض أو إصلاح الأضرار الناتجة عن التلوث، فكل ما هنالك أن هذا المبدأ يفرض على الملوث أداء تكلفة التدابير الوقائية من التلوث، والمحددة من قبل السلطات العامة.

مما يعني أن هذا المبدأ يعطي للدولة دورا أساسيا ومحوريا في تطبيقه، حيث ينبغي الرجوع إليها لمعرفة الحد الأدنى المسموح به من الأضرار البيئية، وأيضا من أجل تحديد التدابير التي ينبغي اتخادها لاحترام هذا الحد الأدنى.

إن مبدأ الملوث المؤدي، ليست فكرة جديدة عن النظم القانونية؛ فهي تشبه إلى حد بعيد القاعدة المعروفة في الفقه الإسلامي والتي تقضي بأن “الغرم بالغنم”؛ مادام أن الغاية منه هي أن من يقوم بتلويث البيئة عليه أن يقوم بإصلاحها.

يمكننا أيضا أن نستشف من هذه القاعدة أمرا آخر، وهو أن استعمال الموارد الطبيعية لم يعد أمرا مجانيا بشكل مطلق، حيث بدأ يتم التخلي عن هذا المفهوم بشكل تدريجي، عن طريق تحميل ملوث هذه الموارد ضرورة إصلاح ومعالجة الأضرار التي أحدثها نتيجة هذا الاستعمال المضر، حتى ولو لم يكن قد ارتكب تهورا أو خطأ تقصيريا، طبقا لقواعد المسؤولية المدنية التقليدية.

2. قاعدة المسؤولية التضامنية في المجال البيئي:
من أجل توفير المزيد من الضمانات للمتضررين من المخاطر البيئية، فإن إقرار قاعدة التضامن عن الأضرار البيئية، تبقى أحد الآليات المهمة، التي تستطيع من خلالها التشريعات الحديثة، الحد من المخاطر البيئية، لا سيما في ظل الصعوبات الكبيرة التي تواجه الضحية في تحديد المتسبب الفعلي أو إثبات التواطؤ في جانبي محدثي الضرر.

لذلك نص المشرع المغربي على قاعدة المسؤولية التضامنية في بعض النصوص الخاصة المتعلقة بالبيئة، كالمادة 34 من قانون النفايات التي سبقنا أن أشارنا إليها وبعض النصوص الأخرى.

3. إحداث صندوق وطني خاص بحماية واستصلاح البيئة
إن طبيعة الأضرار البيئية، جعلت التشريعات الحديثة تفرد لها مجموعة من القواعد القانونية التي تسعى إلى حماية المتضررين المحتملين؛ كما عملت هذه التشريعات على خلق بعض المؤسسات الكفيلة بالمساعدة على تحقيق تلك الغايات؛ ومن بينها الصندوق الوطني الخاص بحماية واستصلاح البيئة.

وقد نص عليه المشرع المغربي بمقتضى المادة 60 من القانون رقم “11.03”، التي جاء فيها ما يلي: ” ينشأ صندوق وطني خاص بحماية البيئة واستصلاح البيئة ويحدد بموجب نص تطبيقي الإطار القانوني لهذا الصندوق ومهامه وموارده ونفقاته “.

كما بينت المادة 62 من هذا القانون، على أن موارد هذا الصندوق تستعمل لتمويل التدابير التحفيزية المنصوص عليها في هذا القانون وبصفة استثنائية لتمويل المشاريع النموذجية البيئية والتجريبية.

بمعنى أن الغاية الأساسية من إحداث هذا الصندوق هو توفير المزيد من الحماية الوقائية للمتضررين المحتملين من الأخطار البيئية.

في الختام، يتبين من خلال هذه القواعد، انها كلها مبنية على التضامن والتكافل من أجل حماية المتضررين من الأخطار البيئية المحتملة، وبالتالي يمكن القول، أن هذا نوع آخر من المسؤولية، وهي مسؤولية قائمة على فكرة المسؤولية بدون ضرر؛ مما يستوجب علينا إبراز المجالات الأكثر أخدا بهذا المبدأ وعن حتمية وجود المسؤولية التضامنية.

————————–

المراجع:

9- القانون المدني: مصادر الالتزام ـ المسؤولية التقصيرية (الدكتور عبد الرحمان الشرقاوي) مطبعة المعارف الجديدة، الرباط؛ سنة النشر 2015 ص: 224
10- (الدكتور عبد الرحمان الشرقاوي) نفس المرجع السابق؛ ص 22
11- الجريدة الرسمية عدد 5118 بتاريخ 18 ربيع الآخر 1424(19 يونيو 2003)، ص :1900
12- (الدكتور عبد الرحمان الشرقاوي) نفس المرجع السابق؛ ص 226
13- Hèlène Trudeau : La responsabilité civile du pollueur :de la théorie de l’abus de droit au principe du pollueur ; payeur : les chaiers de droit, vol .34 N°3 /Septembre 1993 ; p :783
14- في رسالته للدكتوراه التي ناقشها سنة 1979، تحت عنوان ” la nation juridique de nuissance”، ذهب الباحث M.francis caballero إلى أن المفاهيم التي كانت سائدة في مجال المسؤولية المدنية من أجل إيجاد حلول فعالة للمشاكل المتعلقة بالتعويض والوقاية من الأضرار البيئية والأضرار الناتجة عن الكحول والمخدرات، والتي تؤطر للخطوط العريضة لما يمكن تسميته بالمسؤولية الاجتماعية، والتي تندرج في إطار الأنشطة السامة
“Les activités nocives “
وقد ذهب بعض الفقه إلى أن المقترحات التي تضمنتها رسالة الباحث السابق، شكلت التطبيقات المهمة لمبدأ الملوث المؤدي، الذي كان أحد المبادئ الأساسية لقانون البيئة المؤرخ في 2 فبراير 1995 (المادة 110/1).
Geneviéve viney : Introduction à la responsabilité de droit civil ; L.G.D.J. 3éme édition. Édition Alpha 2009, p :152
15- Hèlène Trudeau : La responsabilité civile du pollueur :de la théorie de l’abus de droit au principe du pollueur ; payeur op.cit ; p :783.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق