الماء بين أزمة الندرة وحلول التحلية.. هل تساقطات مارس تعيد التوازن المائي؟

ECO1720 مارس 2025
الماء بين أزمة الندرة وحلول التحلية.. هل تساقطات مارس تعيد التوازن المائي؟
أميمة أخي

تعيش جهة الدار البيضاء-سطات وضعا مائيا مقلقا، حيث أصبحت اضطرابات التزويد بالمياه مشهدا متكررا في عدة مناطق، مع تسجيل انخفاض ملحوظ في منسوب السدود والفرشات الجوفية وتوالي سنوات الجفاف، مما أثر على القدرة الاستيعابية للشبكات المائية، فضلا عن تزايد الطلب على المياه الناتج عن الكثافة السكانية العالية والتوسع العمراني والصناعي الذي يفاقم من حدة الوضع، في ظل محدودية الموارد المتاحة.

وتزايدت الشكاوى من انقطاعات المياه أو ضعف صبيبها في بعض الأحياء السنة المنصرمة، وهو ما يعكس بوضوح الاختلالات التي عانت منها المنظومة المائية في الجهة، ويؤكد أن أزمة المياه الصالحة للشرب باتت واقعا يفرض نفسه، وسط تحديات مناخية وبشرية متشابكة.

في محاولة لحل هذه الأزمة، أطلقت الحكومة مشاريع كبرى، من بينها محطات لتحلية مياه البحر في الجهة، وتعزيز البنية التحتية وتحسين شبكات التوزيع، فضلا عن بعض الإجراءات التي قامت بها السلطات المحلية بتقنين توزيع المياه ليلا، ومنع ري المساحات الخضراء بالمياه الصالحة للشرب، وتقليل مرات ملء المسابح، وتقليص أيام عمل الحمامات أو إغلاقها، وتقليل استهلاك المياه في الأنشطة الترفيهية كإجراء مؤقت لتخفيف الضغط على الموارد المائية .

وأمام التساقطات المطرية المهمة التي شهدتها جهة الدار البيضاء-سطات، إلى جانب باقي مناطق المغرب، منذ بداية مارس الجاري، عاد الأمل في تحسن الوضع المائي بعد فترة طويلة من الجفاف، وتبادرت الأسئلة حول معرفة مدى تأثير هذه التساقطات على الوضع المائي في الجهة، ومدى قدرة هذه الأمطار على تعويض النقص المسجل في الموارد المائية خاصة المياه الصالحة للشرب التي شكلت أزمة في الجهة.

العجز المائي في جهة الدار البيضاء-سطات:

أدلى الخبير البيئي والمناخي مصطفى بنرامل، رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، بتصريح لجريدة إيكو17 ECO لاستجلاء مدى تأثير هذه التساقطات على الوضع المائي في الجهة، ومدى قدرتها على تعويض النقص المسجل في الموارد المائية، لا سيما في ما يخص الماء الصالح للشرب.

واستهل الخبير المناخي حديثه عن العلاقة بين هذه التساقطات المطرية والتغيرات المناخية، التي يرى أنه من الصعب تحديد ما إذا كانت هذه الأمطار جزءا من التغيرات المناخية الموسمية أم أنها مرتبطة بالتحولات المناخية العالمية. فالمغرب لطالما شهد تقلبات مناخية موسمية، تتمثل في فترات طويلة من الجفاف تتخللها فترات من الأمطار الغزيرة، غير أن الأدلة العلمية تشير إلى أن تغير المناخ يؤدي إلى زيادة تواتر الظواهر الجوية المتطرفة، مثل الجفاف والفيضانات، مؤكدا احتمالية مساهمة التغيرات المناخية في هذه التقلبات.

وأكد مصطفى بنرامل أن التساقطات المطرية الأخيرة كان لها تأثير إيجابي على الموارد المائية في جهة الدار البيضاء-سطات، حيث ساهمت في تحسين مخزون السدود، خاصة تلك التابعة لحوض أم الربيع، وإنعاش الأراضي الفلاحية عبر ترطيب التربة وتعزيز الغطاء النباتي.

وأدت هده التساقطات إلى التخفيف من حدة الجفاف الذي عانت منه المنطقة خلال السنوات الأخيرة، فضلا عن تعبئة عامة للشركة الجهوية متعددة الخدمات بأزيد من 800 عامل و180 مضخة وشاحنة للتنقية المائية.

و هو الأمر الذي أكده جواد رسام، المنتخب المحلي والباحث في سلك الدكتوراه في السياسات المائية، حيث أشاد بالانعكاس الإيجابي لهده التساقطات على شبكات توزيع المياه الصالحة للشرب، وتخفيف الضغط عليها ولو بشكل مؤقت.

وأشار الخبير البيئي، إلى أن هذه الأمطار قد تساهم جزئيا، وليس بشكل نهائي، في تخفيف حدة العجز المائي في الجهة، خاصة فيما يتعلق بالمياه الصالحة للشرب، ويعزى ذلك إلى ارتفاع مخزون السدود، الذي يعد المصدر الرئيسي لتوفير مياه الشرب، إضافة إلى تغذية المياه الجوفية التي تشكل مصدرا هاما آخر للمياه الصالحة للشرب، مضيفا أن الأمطار ساعدت في تحسين جودة المياه السطحية والجوفية عبر تقليل تركيز الملوثات.

فيما أكد المنتخب المحلي، أن الوضع المائي في الجهة لا يزال حرجا، إذ تعاني من ضغط كبير على الموارد المائية بسبب الكثافة السكانية العالية والنشاط الصناعي المتزايد، ورغم تسجيل تحسن طفيف في مستوى المياه الجوفية، إلا أنه لم يبلغ المستوى المطلوب لتعويض العجز الذي تراكم على مدى السنوات الأخيرة بسبب الاستغلال المفرط للفرشات المائية.

وفيما يخص إمكانية اعتبار هذه الأمطار حلا كافيا لمواجهة العجز المائي، أكد بنرامل أن الوضع يتطلب اعتماد حلول إضافية، لا سيما أن المغرب عانى من عدة سنوات من الجفاف المتتالي، مما أدى إلى تراكم عجز مائي كبير، مضيفا أن توزيع الأمطار لم يكن متجانسا عبر مختلف المناطق، حيث استفادت بعض المناطق أكثر من غيرها.

و في هذا السياق، قال جواد رسام : هذه الأمطار رغم أهميتها، لا يمكن اعتبارها حلا نهائيا للأزمة، مما يستدعي اتخاذ إجراءات موازية، مثل ترشيد الموارد المائية وتعزيز الاستثمارات في حلول مستدامة.

السياسات المائية و تعزيز الأمن المائي:

وفي إطار تعزيز الأمن المائي، أشار بنرامل إلى أن الجهة تعمل على تنفيذ مشاريع كبرى لتحلية مياه البحر، من بينها محطة تحلية مياه الخيايطة بقدرة إنتاجية تصل إلى 60 مليون متر مكعب سنويا، كما يجري العمل على ربط المدينة بمحطة تحلية المياه في الجرف الأصفر وتزويد مدينة الجديدة بـ50 ألف متر مكعب من المياه يوميا، وتزويد الدار البيضاء الشمالية بـ5000 متر مكعب يوميا، فيما تحصل الدار البيضاء الجنوبية على 600 متر مكعب في الثانية من المياه، فضلا عن تزويد هذه الأخيرة بالمياه المحلاة اعتبارا من شهر شتنبر المقبل، وهو ما سيساهم في تقليص الاعتماد على المياه السطحية والجوفية.

وأضاف المنتخب المحلي إلى أن جهة الدار البيضاء-سطات تعمل على مشاريع استراتيجية لتحسين الأمن المائي، من بينها تحديث شبكات توزيع المياه للحد من التسربات، إضافة إلى مشاريع إعادة استخدام المياه العادمة في سقي المساحات الخضراء والملاعب الرياضية، بدل الاعتماد على المياه الصالحة للشرب، مثل مشروع محطة معالجة المياه العادمة في مدينة الدار البيضاء، فضلا عن تطوير برامج لحصاد مياه الأمطار من خلال حلول محلية، مثل خزانات تجميع المياه لاستخدامها في الري والأغراض غير الصالحة للشرب، خاصة في المناطق الحضرية والصناعية.

وفي حديثه عن دور تحلية المياه في تحسين إمدادات المياه، أوضح بنرامل أن هذه التقنية تشكل حلا مستداما، خاصة في ظل ندرة الموارد المائية الطبيعية، حيث تتيح هذه المشاريع توفير مصدر مياه غير تقليدي، مما يقلل من التأثيرات السلبية للجفاف ويعزز الأمن المائي.

و صرح الخبير البيئي قائلا: تمكن محطات التحلية من تلبية الطلب المتزايد على المياه، خاصة في المناطق الساحلية التي تعاني من شح المياه العذبة، غير أن هذا الحل، رغم أهميته، يجب أن يكون مكملا لاستراتيجيات أخرى، مثل إعادة استخدام المياه العادمة وتحسين إدارة الموارد المائية.

وأكد المتحدث نفسه على الحاجة إلى من اتخاذ تدابير موازية، مثل الاستثمار في محطات تحلية المياه، وتحسين شبكات التوزيع، وتشجيع تقنيات الري الحديثة، إلى جانب الحد من الهدر المائي، أمام الاستهلاك المتزايد للمياه نتيجة النمو السكاني والتوسع الزراعي والصناعي.

وعن دور المجالس المحلية في رفع الوعي بأهمية ترشيد استهلاك المياه، أشار المنتخب المحلي إلى أن هذه الهيئات، بمختلف مستوياتها، تعاني من قصور في هذا الجانب، حيث تسجل نقصا واضحا في الحملات الإعلامية التي كان من المفترض تنفيذها بالشراكة مع المؤسسات التعليمية والمجتمع المدني لتعزيز ثقافة الاستهلاك الرشيد.

وأوضح رسام أن التبذير في استغلال المياه، خاصة في عمليات السقي التقليدي للحدائق، لا يزال شائعا، إلى جانب ضعف إدماج معايير الاستدامة في المشاريع المحلية، إذ لم يتم بعد تشجيع استعمال تقنيات اقتصادية للمياه، مثل الحنفيات الذكية وأنظمة الري بالتنقيط، كما لفت إلى غياب شراكات حقيقية مع القطاع الخاص لتشجيع الاستثمارات في التكنولوجيات الحديثة التي تساعد على تقليل استهلاك المياه، لا سيما في القطاعات الصناعية.

الحكامة المائية والتنسيق المؤسساتي :

أشار بنرامل إلى أن المغرب اعتمد استراتيجية وطنية ترتكز على بناء السدود، وتحلية مياه البحر، وترشيد الاستهلاك، غير أن هذه السياسات تحتاج إلى حكامة لضمان فعاليتها، من خلال تسريع تنفيذ المشاريع المائية، وتشديد القوانين المتعلقة بحماية الموارد المائية، وتحسين التنسيق بين مختلف القطاعات المعنية، مؤكدا على ضرورة تعزيز البحث العلمي في مجال تدبير المياه، وتشجيع الاستثمارات الخاصة في التقنيات الحديثة.

و دعا الباحث في السياسات المائية من جهته، إلى ضرورة تعزيز التنسيق بين الجماعات الترابية والوزارات المعنية لتحسين الوضع المائي، من خلال العمل على التنزيل الأمثل للمخطط الوطني للماء 2020-2050، وتحسين كفاءة توزيع المياه بين مختلف مناطق الجهة، وإشراك الفاعلين الاقتصاديين، خاصة الشركات الكبرى، في جهود ترشيد المياه، لا سيما في القطاعات الصناعية والفلاحية والصناعات الغذائية التي تسجل استهلاكا مرتفعا للمياه.

وفي ختام تصريحه، أكد مصطفى بنرامل أن الأمطار الأخيرة شكلت دفعة إيجابية للوضع المائي في جهة الدار البيضاء-سطات، لكنها ليست حلا كافيا لمواجهة التحديات المائية المتزايدة، داعيا إلى مضاعفة الجهود لضمان استدامة الموارد المائية، عبر تطوير حلول هيكلية، وتعزيز السياسات المائية، والانخراط في مبادرات دولية لمواجهة آثار التغيرات المناخية.

فيما دعا جواد رسام إلى ضرورة تظافر جهود جميع الفاعلين، من سلطات محلية وإقليمية وجهوية، ومصالح الوزارات المختصة، بالإضافة إلى القطاع الخاص والمجتمع المدني، من أجل مواجهة التحديات المائية وتأمين الموارد الحيوية للأجيال القادمة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق