التغيرات المناخية تفرض تحولات جذرية في تربية الأبقار بالمغرب

ECO177 مايو 2025
التغيرات المناخية تفرض تحولات جذرية في تربية الأبقار بالمغرب
إيمان بنسعيد

في زمن تتسارع فيه التغيرات المناخية وتشتد فيه تحديات الأمن الغذائي، تبرز تربية الأبقار بالمغرب كقطاع حيوي يحتاج إلى رؤية جديدة، تعتمد على السلالات المتكيفة، والممارسات المستدامة، والدعم التقني والعلمي، لضمان استمرارية الإنتاج وتعزيز السيادة الغذائية في وجه الأزمات البيئية والاقتصادية.

تعيش الفلاحة المغربية، لا سيما قطاع تربية الأبقار، على وقع تحولات عميقة فرضتها التغيرات المناخية. فبعد سنوات من الجفاف المتكرر وارتفاع درجات الحرارة، أصبح من الواضح أن النموذج التقليدي لتربية الأبقار لم يعد صالحًا كما كان في السابق. هذا الوضع الجديد ألقى بظلاله على الفلاحين، خاصة صغار المربين، الذين أصبحوا مضطرين للتكيف مع الظروف البيئية والاقتصادية الجديدة، بحثا عن سلالات أكثر مقاومة ونُظم تغذية أكثر فعالية واستدامة.

أولا: تراجع المراعي الطبيعية وتفاقم تكاليف الإنتاج

شكلت المراعي الطبيعية لسنوات طويلة الركيزة الأساسية لتغذية القطيع، إلا أن تراجع التساقطات المطرية وتدهور الغطاء النباتي جعلا من هذه الموارد مصدرا غير موثوق به، مما دفع الفلاحين إلى الاعتماد أكثر على الأعلاف المركبة. هذا التحول رافقته تكاليف مرتفعة، إذ تشير المعطيات إلى أن كلفة تغذية بقرة واحدة من نوع الهولشتاين يمكن أن تتجاوز 50 درهما يوميا في ظل الأسعار الحالية للأعلاف، ناهيك عن الأدوية والتكاليف الأخرى، مما أثر على هامش الربح بشكل كبير.

ثانيا: سلالات الأبقار بين الإنتاجية والقدرة على التكيف

1 . سلالة الهولشتاين : تعتبر الهولشتاين من أكثر السلالات انتشارا في الضيعات الكبرى والمتوسطة بالمغرب. هذه السلالة ذات الأصل الأوروبي معروفة بإنتاجيتها العالية للحليب، إذ يمكن أن تصل إلى 50 لترا في اليوم. غير أن هذه الإنتاجية المشروطة بنظام تغذية دقيق وجودة بيئية معينة، تجعل من الهولشتاين سلالة حساسة أمام موجات الحرارة الشديدة ونقص المياه، ما يطرح تحديات حقيقية على المدى المتوسط والبعيد.

2. سلالة المونبليارد : تعد هذه السلالة الفرنسية مزدوجة الغرض (اللحم والحليب)، وتتميز بصلابتها مقارنة بالهولشتاين، ما يجعلها أكثر تكيفا مع المناخ المغربي، خاصة في المناطق الجبلية والوسطى. بدأت هذه السلالة تسجل حضورا قويا في المعارض الجهوية والوطنية، حيث تحظى بإشادة بسبب جودة لحومها ومردودية إنتاجها للحليب (25 إلى 30 لترا يوميا في المتوسط).

3 . سلالة أولماس زعير : تعتبر من السلالات المحلية ذات الجذور العميقة في منطقة زعير وأولماس. تمتاز بقدرتها العالية على التأقلم مع الجفاف وقلة المياه، ويصل وزن الذكور منها إلى 1400 كلغ. رغم تراجع أعداد هذه السلالة في العقود الأخيرة، بدأت جهود إعادة تثمينها تؤتي ثمارها بفضل برامج دعم تشرف عليها وزارة الفلاحة والفيدراليات المهنية.

ثالثا: دعم جمعوي وتقني لمواكبة التحول

تساهم الجمعيات الفلاحية والهيئات المهنية في تقديم المواكبة التقنية والتكوينات والدعم الميداني، بهدف تشجيع اعتماد السلالات المتكيفة وتحسين النجاعة الإنتاجية، وهو ما يشكل رافعة أساسية لتأهيل القطاع.

ومن بين هذه الجمعيات:

الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز (ANOC) ، برئاسة عبد الرحمان المجدوبي، تعنى بتأطير المربين وتحسين النسل وتنظيم المعارض والمسابقات.

الفيدرالية البيمهنية لسلسلة الحليب (FIVLait)، برئاسة رشيد الخطاط، تعمل على تنظيم سلسلة إنتاج وتصنيع الحليب وضمان جودته.

الجمعية الجهوية لمربي الأبقار وإنتاج الحليب بجهة الدار البيضاء سطات ، برئاسة الحسن الباز، تركز على تأطير المربين وتحسين الإنتاجية والمشاركة في المعارض والمسابقات.

الفيدرالية المغربية لمربي أبقار سلالة أولماس زعير، برئاسة محمد أشرورو، تهدف إلى الحفاظ على سلالة أولماس زعير وتحسين ظروف تربيتها.
رابعا: أي مستقبل لتربية الأبقار في المغرب؟

أمام الواقع البيئي الجديد، تبرز ضرورة ملحة لإعادة التفكير في منظومة تربية الأبقار. ويتعلق الأمر باعتماد مقاربات تشاركية قائمة على إدماج البعد المناخي في السياسات الفلاحية، والرهان على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الحديثة في رصد وتتبع صحة القطيع وتحسين النجاعة الطاقية والمائية داخل الضيعات.

كما يبقى تعزيز السيادة العلفية أولوية وطنية، خاصة في ظل هشاشة التبعية للأسواق الخارجية. ويجب أن يتوجه المغرب نحو زراعة أعلاف متكيفة مناخيا وتطوير صناعات تحويلية وطنية للأعلاف.

ففي ظل التغيرات المناخية المتسارعة، لم يعد بالإمكان الاستمرار في نماذج تربية الأبقار التقليدية. إن التحول نحو سلالات متكيفة، والنهوض بالبحث العلمي، وتثمين الأدوار الحيوية للجمعيات، هي مرتكزات رئيسية لضمان استدامة هذا القطاع الحيوي، الذي لا يشكل فقط مصدر دخل للفلاحين، بل عنصرا أساسيا في تحقيق الأمن الغذائي الوطني.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept