الأراضي الرطبة.. كنز بيئي مهدد

ECO173 فبراير 2025
الأراضي الرطبة.. كنز بيئي مهدد
أميمة أخي

الأراضي الرطبة هي أنظمة بيئية تلعب فيها المياه الدور الأساسي في تشكيل البيئة والتأثير على الكائنات النباتية والحيوانية التي تعتمد عليها، وتشمل هذه المناطق مجموعة متنوعة من النظم البيئية، سواء كانت عذبة أو بحرية أو ساحلية، مثل البحيرات والأنهار والمياه الجوفية والمستنقعات والأراضي العشبية الرطبة والواحات، إضافة إلى مصبات الأنهار والدلتا والمسطحات المدية وأشجار المانغروف والشعاب المرجانية، فضلا عن مواقع تدخل الإنسان، مثل أحواض الأسماك وحقول الأرز والخزانات وأحواض الملح.

وتكتسب الأراضي الرطبة أهمية كبرى لما تقدمه من فوائد بيئية ومناخية وإيكولوجية واجتماعية واقتصادية، فضلا عن قيمتها العلمية والتعليمية والثقافية والترفيهية، حيث تسهم في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز رفاهية الإنسان عبر الخدمات التي تقدمها، مثل تنظيم المياه، التحكم في الفيضانات، وتنقية المياه.

ورغم أن الأراضي الرطبة لا تغطي سوى 6% من سطح الأرض، إلا أنها توفر موئلا لنحو 40% من الأنواع النباتية والحيوانية، مما يجعلها ضرورية للحفاظ على التنوع البيولوجي، وتؤثر بشكل مباشر على صحة الإنسان، الأمن الغذائي، السياحة، وفرص العمل. كما يعتمد أكثر من مليار شخص حول العالم، أي واحد من كل ثمانية أفراد، على هذه النظم البيئية في كسب رزقهم، مما يعزز دورها الحيوي في دعم الحياة البشرية والبيئية على حد سواء.

تشكل اتفاقية رامسار الإطار القانوني الذي يحمي  الأراضي الرطبة ، و هي معاهدة دولية تهدف إلى الحفاظ عليها في جميع أنحاء العالم، تم توقيعها في مدينة رامسار الإيرانية في 2 فبراير 1971. ولذلك، يحتفل باليوم العالمي للأراضي الرطبة في هذا التاريخ كل سنة، تهدف الاتفاقية إلى حماية الأراضي الرطبة وتوجيه السياسات الدولية والمحلية نحو استدامتها بسبب دورها الحيوي في التنوع البيولوجي، وتنقية المياه، وتنظيم المناخ، وتوفير بيئات حيوية للكائنات الحية، و غيرها من الأهداف أهمها :

  • الحفاظ على الأراضي الرطبة: الاتفاقية تشجع الدول الأطراف على حماية المناطق الرطبة المهمة بيئيًا واقتصاديًا من التدهور والممارسات التي تهددها.
  • إدارة الأراضي الرطبة بشكل مستدام: يتطلب من الدول الأطراف اتخاذ تدابير لضمان استدامة هذه المناطق، بما في ذلك حماية التنوع البيولوجي المرتبط بها.
  • تعزيز التعاون الدولي: الاتفاقية تدعو إلى التعاون بين الدول من أجل الحفاظ على الأراضي الرطبة التي قد تمتد عبر الحدود الوطنية.
  • التوعية والبحث العلمي: تشجع الاتفاقية على نشر الوعي بين الجمهور والمجتمعات المحلية بأهمية الأراضي الرطبة، ودعم البحث العلمي حول هذه النظم البيئية.

تحتفظ الدول الأطراف في الاتفاقية بقائمة من المواقع التي تمثل الأراضي الرطبة الهامة، والتي يتم تعيينها كمناطق محمية وفقا للمعايير الدولية، وتلتزم بتبادل الخبرات والمعلومات حول كيفية الحفاظ على الأراضي الرطبة وإدارتها.

وتضم اتفاقية رامسار أكثر من 170 دولة عضوا، التي تشترك في الحفاظ على أكثر من 2,400 موقع للأراضي الرطبة في أنحاء مختلفة من العالم، ويعتمد شخصا واحدا من بين كل 8 أشخاص على سبل المعيشة التي توفرها مصادر الأراضي الرطبة المختلفة مثل الغذاء وإمدادات المياه والنقل والترفيه، فيما تظهر الأبحاث أن المناظر الطبيعية للأراضي الرطبة تؤثر بشكل إيجابي على الصحة العقلية، وتحمي الأراضي الرطبة 60% من البشر على طول السواحل من هبوب العواصف والأعاصير وأمواج التسونامي.

موضوع احتفالية هذه السنة 2025 باليوم العالمي للأراضي الرطبة هو ❞حماية الأراضي الرطبة من أجل مستقبلنا المشترك ❝، و في هذا الصدد تتبادر مجموعة من التساؤلات إلى أدهاننا من قبيل:

ما هي التحديات التي تهدد وجود هذه المناطق ووظائفها الحيوية؟ وما هي جهود المغرب في مواجهة أثر التغيرات المناخية على الأراضي الرطبة؟

تواجه الأراضي الرطبة تحديات بيئية متزايدة تهدد وجودها ووظائفها الحيوية، فالتلوث، سواء الناجم عن الأنشطة الصناعية أو الزراعية، يؤدي إلى تدهور جودة المياه ويؤثر على الكائنات الحية التي تعتمد عليها. كما أن التغيرات المناخية تفاقم مشكلة الجفاف، مما يقلل من تغذية الأراضي الرطبة بالمياه ويؤدي إلى انكماشها أو اختفائها بالكامل. فضلا عن التوسع العمراني الدي يشكل خطرا كبيرا، حيث يتم تجفيف هذه المناطق وتحويلها إلى أراضٍ سكنية أو زراعية، مما يسهم في فقدان موائل طبيعية لا تُقدر بثمن.

في ظل هذه التهديدات المتزايدة، يصبح من الضروري تسليط الضوء على المخاطر التي تواجه الأراضي الرطبة وسبل حمايتها لضمان استدامتها للأجيال القادمة.

التلوث: الخطر الصامت على النظم الرطبة، ويتمثل في معاناة الأراضي الرطبة من أشكال متعددة من التلوث، أبرزها التلوث الكيميائي الناجم عن المبيدات الحشرية والأسمدة الزراعية التي تصل إليها عبر الجريان السطحي، مما يؤدي إلى تلوث المياه وانتشار ظاهرة التخثث (Eutrophication)، التي تسبب اختناق الكائنات المائية، هدا من جهة.

من جهة أخرى، يشكل التلوث الصناعي، الناتج عن تصريف النفايات والمخلفات السامة، تهديدا مباشرا لهذه النظم، مما يؤدي إلى تدمير الموائل الطبيعية ويؤثر سلبا على التنوع البيولوجي.

الجفاف: التغيرات المناخية تدفع الأراضي الرطبة نحو الزوال، باعتبارها أحد أكبر التحديات التي تواجه الأراضي الرطبة، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة وتراجع معدلات التساقطات المطرية إلى تقلص المسطحات المائية، مما يهدد بانقراض العديد من الأنواع الحية التي تعتمد على هذه النظم، فضلا عن كون الاستخدام المفرط للمياه الجوفية والسطحية لري الأراضي الزراعية يقلل من تغذية هذه المناطق بالمياه، مما يؤدي إلى جفافها وفقدانها لوظيفتها البيئية الحيوية.

التوسع العمراني: حيث يتم تجفيف الأراضي الرطبة لتحويلها إلى مناطق سكنية أو زراعية، مع النمو السكاني المتزايد والتوسع الحضري السريع، وهو ما يؤدي إلى تدمير الأنظمة البيئية الهشة، وغالبا ما يتم ملء هذه المناطق بالمخلفات والردميات لإنشاء مشاريع عمرانية، مما يتسبب في فقدان موائل طبيعية نادرة، ويؤثر سلبا على قدرة هذه الأراضي على تخزين المياه والسيطرة على الفيضانات.

والمغرب، البلد الذي يتميز بتنوعه الإيكولوجي وتضاريسه المتعددة، تشكل الأراضي الرطبة مصدرا بيئيا واقتصاديا مهما به، لكنها تواجه تهديدات متزايدة، تبذل المملكة جهودا كبيرة لحماية هذه المناطق وتعزيز استدامتها.

وتضم الأراضي الرطبة المغربية مجموعة من البحيرات، والسبخات، والمناطق الساحلية، التي توفر موائل طبيعية للعديد من الطيور المهاجرة والحيوانات النادرة، حيث تشمل هذه المناطق مواقع مصنفة ضمن اتفاقية “رامسار” الدولية لحماية الأراضي الرطبة، مثل بحيرة مارشيكا بالناظور، ومحمية سيدي بوغابة بالقنيطرة، ومرجة الفوارات. وتلعب هذه المواقع دورا محوريا في الحفاظ على التوازن البيئي، حيث تساهم في تخزين المياه، وامتصاص الكربون، ودعم الأنشطة الاقتصادية المستدامة كالسياحة البيئية والصيد التقليدي.

وتشهد الأراضي الرطبة في المغرب ضغوطا متزايدة بسبب آثار التغير المناخي، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة وتراجع معدلات الأمطار إلى تقلص المسطحات المائية وجفاف العديد من المناطق الرطبة، مما يهدد الكائنات الحية التي تعتمد عليها، و تؤثر التغيرات المناخية على القدرة الاستيعابية لهذه النظم البيئية في مواجهة الفيضانات والتصحر، مما يزيد من حدة الأزمات البيئية والاقتصادية التي تواجه المناطق القريبة منها.

طبيعة هذه النظم البيئية الفريدة، تتطلب الحماية باعتماد سياسات بيئية صارمة، مثل تعزيز القوانين التي تمنع تصريف النفايات في الأراضي الرطبة، وتبني ممارسات زراعية مستدامة تقلل من التلوث الكيميائي، وتشجيع الاستثمار في مشاريع إعادة تأهيل الأراضي الرطبة، وتعزيز التوعية بأهميتها، وضمان إدماجها في التخطيط الحضري بشكل يراعي استدامتها.

في إطار التزامه بحماية البيئة والتنوع البيولوجي، أطلق المغرب عدة مبادرات لتعزيز استدامة الأراضي الرطبة، من بينها:

  • إدراج المزيد من المواقع ضمن اتفاقية “رامسار: حيث يعمل المغرب على توسيع قائمة المناطق الرطبة المحمية دوليًا لضمان مراقبتها وحمايتها.
  • تطوير استراتيجيات وطنية للحفاظ على التنوع البيولوجي: مثل الاستراتيجية الوطنية للمناطق الرطبة (2015-2024)، التي تهدف إلى إدارة هذه النظم بشكل مستدام وتعزيز التوعية بأهميتها.
  • إعادة تأهيل الأراضي الرطبة المتدهورة: من خلال مشاريع لإزالة التلوث، وإعادة تغذية المناطق المائية، وتحسين جودة المياه في بعض البحيرات والمستنقعات المتضررة.
  • تعزيز التشريعات البيئية: عبر سن قوانين تحظر الأنشطة المدمرة للأراضي الرطبة، مثل التصريف العشوائي للنفايات والتجفيف غير القانوني للمسطحات المائية.
  • تشجيع البحث العلمي والتعاون الدولي: من خلال إشراك الجامعات والمراكز البحثية في دراسة تأثيرات التغير المناخي على الأراضي الرطبة، والتعاون مع منظمات دولية لحماية هذه النظم البيئية.

تمثل الأراضي الرطبة ركيزة أساسية في المنظومة البيئية المغربية، فهي ليست مجرد مسطحات مائية، بل مخزون طبيعي للحياة ومصدر للتوازن البيئي والاقتصادي، حمايتها تتطلب مزيدا من التدابير الفعالة لضمان استدامتها، خصوصا في ظل التحديات البيئية المتزايدة، رهين بتعزيز الوعي المجتمعي، والاستثمار في حلول مبتكرة لحماية الموارد المائية، وتعزيز الحوكمة البيئية من بين الخطوات الأساسية لحماية هذه المناطق.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق