يعد اليوم العالمي للمدن ، فرصة سانحة لاستعراض وتبادل الموارد والخبرات التي تساهم في تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030، لا سيما الهدف 11 من أهداف التنمية المستدامة المتعلق ببناء مدن ومجتمعات آمنة ومستدامة. ويحتفل به في 31 أكتوبر من كل سنة، ويأتي هذا اليوم بشعار “الشباب صناع التغيير في مجال المناخ: تحفيز التحرك المحلي من أجل الاستدامة الحضرية”، والذي تبنته منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) كمنطلقٍ لتسليط الضوء على دور الشباب في مواجهة التحديات المناخية والبيئية.
كما أكدت الإيسيسكو على دور المجتمع الدولي في دعم الشباب وتمكينهم، من خلال تعزيز مشاركتهم في حماية البيئة كأحد ركائز التنمية المستدامة، وتطوير قدراتهم لمواجهة التغيرات المناخية.
وتماشيا مع هذه التوجهات، أطلقت الإيسيسكو عددا من المبادرات التي تركز على توظيف التقنيات الحديثة لمواجهة التغير المناخي، مثل “معسكر تدريب الشباب على القيادة في مجال المناخ” وبرنامج “المدن الذكية والمستدامة والمرنة”.
وتهدف هذه المبادرات إلى إعداد جيل من الشباب قادر على مواجهة التحديات البيئية في المستقبل.كما يأتي هذا اليوم في إطار جهود منظمات مثل “الميثاق من أجل المستقبل” و”الإعلان بشأن أجيال المستقبل”، اللتين وضعتا إطارا مشتركا للتأكيد على أهمية إشراك الشباب في صياغة مستقبل بيئات حضرية مستدامة ومزدهرة.
ومن ضمن المبادرات العالمية التي تم إطلاقها للتعامل مع التحديات الحضرية، أطلقت منظمة “موئل الأمم المتحدة” حملة “أكتوبر الحضري” لتسليط الضوء على تحديات التحضر السريع وتشجيع المجتمع الدولي على تنفيذ جدول الأعمال الجديد للمدن الذي تم اعتماده في مؤتمر الموئل الثالث في كيتو سنة 2016.حيث يسعى هذا الجدول إلى خلق بيئة حضرية شاملة وآمنة ومستدامة للجميع، مع تأكيد على أهمية الهدف 11 من أهداف التنمية المستدامة الذي يعنى ببناء مدن قادرة على الصمود والتكيف مع مختلف التحديات.
هذا ويتناول اليوم العالمي للمدن قضايا التوسع الحضري السريع، والذي من المتوقع أن يضيف 2.5 مليار شخص إلى سكان المدن بحلول عام 2050، مع تركيز 90% من هذا التحضر في آسيا وأفريقيا. يترافق هذا التوسع مع تحديات ضخمة في البنية التحتية ومكافحة التلوث، مما يجعل الهدف 11 أكثر إلحاحاً. وتوفر أهداف التنمية المستدامة إرشادات واضحة لدعم الجهود المحلية والدولية نحو تحقيق التنمية الحضرية المستدامة، من المقترحات المهمة لمواجهة تحديات التوسع الحضري هي تعزيز المجالس الشبابية، وتمثيل الشباب في الحكومات المحلية، والحفاظ على حوار مستمر بينهم وبين صناع القرار.
المغرب وسياسة المدينة المستدامة:
في المغرب، ونتيجة للتوسع العمراني المتسارع، تواجه المدن المغربية تحديات حضرية متنوعة تتطلب استجابة شاملة. ومن هنا جاءت سياسة “المدينة” التي أطلقتها وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان لتقليص الفوارق المجالية وتعزيز التنمية الشاملة داخل المدن وحولها. تسعى هذه السياسة إلى إدماج الأحياء الهامشية، ورفع كفاءة التجهيزات، وتحسين جاذبية المدن عبر تأهيل المناطق الحضرية والمراكز الصاعدة، وذلك في إطار تشاوري وتنسيقي بين مختلف المؤسسات والهيئات الحكومية والجماعات الترابية.
يسعى المغرب لتحسين مدنه من خلال سياسة حضرية متكاملة تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وتحسين جودة الحياة للمواطنين. تشمل هذه السياسة مشاريع وبرامج التخطيط العمراني المستدام الذي يشمل تصميم المدن بطريقة تحافظ على البيئة وتقلل من استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية، واحترام المساحات الخضراء وفقًا للمعايير الدولية التي تضمن حق الفرد فيها، واعتماد النقل المستدام بتطوير وسائل النقل العام والمشاة والدراجات لتقليل استخدام السيارات الخاصة وتقليل التلوث. ويبرز هنا مشروعا الترامواي في مدينتي الدار البيضاء والرباط، ومشروع الباصواي بمدينة الدار البيضاء كنماذج لتطوير النقل النظيف والمستدام في الحواضر المغربية.
استخدام الطاقة المتجددة:
يشجع المغرب على استخدام الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والرياح، لتلبية احتياجات الإنارة العامة في المدن. وتم إقرار “الضريبة الخضراء” في قانون المالية لسنة 2025 لتشجيع الاستثمار في الطاقات المتجددة، إلى جانب شراكات مع دول أجنبية، مثل الاتفاقيات الموقعة مؤخرًا مع فرنسا خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب، والتي تضمنت استثمارات مشتركة في الطاقات النظيفة والصناعات الصديقة للبيئة.
تدابير مكافحة الإجهاد المائي:
تسعى الحكومة المغربية، ضمن سياستها المائية، إلى إنشاء محطات لتحلية مياه البحر وإنشاء سدود جديدة وصيانة السدود القائمة. كما تشمل التدابير ترشيد استهلاك المياه بإغلاق الأنشطة التي تعتمد على المياه بشكل كبير، كإغلاق الحمامات العامة ومحلات غسل السيارات، وتنظيم استخدام المسابح العامة، واستخدام المياه العادمة المعالجة في ري المساحات الخضراء بالمدن.
تحديث قوانين البناء لمقاومة الزلازل:
في أعقاب زلزال الحوز المدمر في 8 سبتمبر 2023، أطلقت الحكومة المغربية مبادرات جديدة لضمان صمود المباني أمام الزلازل. وقد وافقت الحكومة على مشاريع مراسيم لتعزيز قوانين البناء، بما يشمل تحديث قواعد الوقاية من الزلازل وتأسيس لجان وطنية للإشراف على هندسة البناء المقاوم للزلازل. وتهدف هذه الإجراءات إلى تعزيز سلامة الأرواح والممتلكات، إلى جانب مراجعة شاملة لقوانين البناء وفقاً للمعايير العلمية الحديثة.